تقديم عام
يحاول هذا المقال انيبرز اهمية وثيقة الحكم الذاتي للصحراء بالرغم مع ان هاته الوثيقة قد مر عليها اكثر من خمسة عشر سنة وبالرغم مع ان العديد من بنوذها اصبحت ممارسات ايجابية في جهات الصحراء المغربية،وبالنظر إلى اهميتها تحاول هاته المقالة ابراز مضامينها الى القراء الأعزاء
يرتبط مفهوم الحكامة ضمن شبكة مفاهیمة ارتباطا عميقابمجموعة من المفاهيم من قبل مفهوم التنمية، مفهوم المجتمع المدني. مفهومالمواطنة، ولهذا المفهوم سيرورةتاريخية، حيث ارتبط الكيفية إدارةالدول والحكومات للشأن العام، حيث يفيد معنى الرقابة والتوجيه والتدبيرويعرف الخبراء والمجتمعون على أنه يعبر عن ممارسة السلطة السياسيةوإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والبشرية والحكامة الجيدةيقصد بها تلك الأداة التي يمكن بواسطتهاضبط وتوجيه وتفسيرالتوجهات الاستراتيجية الكبرى التي تطال الجوانب الاقتصاديةوالمؤسساتية ومختلف البنی الاجتماعية والفكرية والثقافية.وتستلزم الحكامة الجيدة نهج معاييرمحددة ذات أبعاد سياسية واقتصاديةواجتماعية وإدارية تلتزم بها الدولةبمختلف مكوناتها حسن التدبیرجودة الخدمات والتواصل والرؤيةالاستراتيجية وتسري الحكامةباعتبارها مجال المبادرات الاقتصاديةعلى القطاع الخاص والمجتمع المدني باعتباره نافدة الممارسة والمشاركةوالمواطنة. أن تأسيس وبناءالحكامة يحتاج إلى انسجام وتكاملبين السياسي والاقتصادي والاجتماعي كما يتطلب إجراءات دستورية وقانونية في أعلى مؤسسات الدولة ونظمها ويتطلب اصلاحات دستورية وقانونيةللنهوض بمجموع القطاعات وتطويرعلاقتها بالدولة والمجتمع بشكل إيجابي.
فالحكامة إذن لها أوجه وأبعادمختلفة ومتعددة لكننا من جانب أخرتتجسد في إطار تدبیرحكيم وعقلاني للإمكانيات الاقتصاديةوالسياسية والاجتماعية وذلك من خلال تبني وأجرأة العديد من الميكانيزمات على واقع معين بماينسجم والمعطيات السوسيواقتصادية والاجتماعية والثقافيةلمنطقة معينة. وحسبا لذلك اتخدالمغرب مقاربة مهمة لحل قضيةالصحراء تتمثل في مبادرة الحكم الذاتي لجهة الصحراء، فعبر مضامین هذه الوثيقة يستشف تبني المغربالنهج متقدم في تدبير شؤونهالمحلية فإذا ما تم نقل مبادرة الحكم الذاتي إلى واقع الصحراء فسوف يشكل ذلك ترجمة حقيقية للحكامةالجيدة في بعدها الاقتصاديوالاجتماعي والثقافي.
على ضوء ذلك يمكن أن نطرحالسؤال التالي: أين تكمن تجليات الحكامة الاقتصادية في إطار مشروع الحكم الذاتي.
الحكامة الاقتصادية
يأتي المشروع المغربي المتعلقبإعطاء الحكم الذاتي لجهة الصحراءليكرس مسلسل نظام اللامركزية الذيدخل فيه المغرب منذ مدة، فالربعالأخير من القرن العشرين عرف إدخالتغيرات جذرية على اللامركزية وعلىتركيز دور الجماعات المحلية التيانكب المغرب على دراسة أوجهتنظيمها وتمكينها من تدبير شؤونهامنذ الاستقلال.
فبعد عدة إصلاحات عرفتهاالقوانين المنظمة للجماعات المحليةجاء قانون 3 أكتوبر 2002 ليؤكداختيار المغرب للجماعات المحليةكخلية أساسية لتشييد صرحه السياسي والديمقراطي والإداري.
لذلك فقانون 2002 انبثق عن توافق حول ضرورة الانتقال إلىمرحلة جديدة من التدبير المحليتؤكد وتوسع مجال اختصاصالجماعات المحلية وترسيخمسؤوليتها في تدبير شؤونهابطريقة مستقلة وذلك عن طريق توسیع دورها في المجال التنموي وخلق الثروات وإحداث فرعي للتشغيل وتهيئة التراب والحد من الاختلالات الجغرافية والفوارق الاقتصادية والاجتماعية.
إن هذه الإصلاحات التي دخل فيها المغرب من خلال إعطاء أهميةکبری للجهة لتدبير شؤونها المحليةتشكل منطلقا حقيقيا للتنمية المحليةباعتبارها ركيزة أساسية، وقاطرةللتنمية الشاملة التي يطمح لهاالمغرب، لذلك فالمبادرة المغربيةالمتمثلة في إعطاء حكم ذاتي للصحراء المغربية، جاءت لتشكل جزء من الجهود المبذولة على المستوى الوطني خاصة في جانب التنميةالاقتصادية، وهي بذلك (أي المبادرةالمغربية ) تبعث الأمل في مستقبل أفضل لسكان المنطقة الصحراوية.
فالعلاقة الوظيفية بين الإدارةالمحلية والتنمية الاقتصادية تؤكدعلى أنه لا يمكن تحقيق التنمية على المستوى المركزي أو الوطني دونتوسيع الدور الاقتصادي للجماعات المحلية لأن غياب هذه الأخيرة يشكل عائقافي وجه التنمية. ولهذه الغايةعمل المشروع المغربي للحكم الذاتيلمنطقة الصحراء على ارتقاء الإدارةالمحلية في هذه الجهة، لكي تصبحفضاءا استراتيجيا لتدبير الشأن المحلي ومجالا خصبا لتفعيل الحكامة الاقتصادية على المستوى المحلي.
إذا كان المعطي الاقتصادي يشكل قطب الرحى في كل تنمية فإن المغرب من خلال وثيقة الحكم الذاتي لجهةالصحراء حاول أن يبلور تصوراقتصادي محلي، شمولي ومندمج يأخذ بعين الاعتبار أولويات المواطنين وحاجياتهم في إطارتخطيط منهجي يرتكز على مقاربةتوفق بين توظيف المؤهلات المحليةوتلبية متطلبات الساكنة عبر العديدمن الأساليب التخطيط الجهوي الذي يعتبر إطارا أساسيا للتسييرالاقتصادي المحلي.
إن وثيقة الحكم الذاتي تمنح السكان جهة الصحراء تدبير شؤونهمعلى مستوى الأنشطة التجاريةالصناعية، الفلاحية وأيضا علىمستوى قطاع السياحة، ومن منطلقأن هذه القطاعات تشكل عصبالحياة الاقتصادية، فإن التحكم فيتدبيرها بشكل جيد يعطي انطلاقةتنموية، ونفس جديد لجهة الصحراءخاصة في ظل الامتيازات والتحفيزات التي سوف تشجع الاستثمار على مستوى هذه المنطقةوذلك انسجاما مع ما عرفه المغرب من تطور وتحسن في السياسات الاستثمارية التي تهدف إلى كسب الرهانات التنموية في البلاد ككل،وإذا كان التخطيط الاقتصادي أداة استراتيجية في يد الدولة لتحقيق التنمية، وفي إطارا للتنسيق والتوقع الاقتصادي، فانه من جانب آخر يشكل أبرز أوجه الحكامةالاقتصادية باعتباره أسلوب في التنظيم يهدف إلى استخدام المواردعلى أفضل وجه ممكن بغية تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فبإعطاء جهة الصحراء -كماينص على ذلك مشروع الحكم الذاتي- تدبير عدة قطاعات (الصناعةالفلاحة…) تكون الدولة المغربية قدخطت خطوة مهمة نحو ترسيخ اللامركزية الاقتصادية من جهةوجسدت عمليا تبنيها لسياسةالتخطيط اللامركزية الاقتصادي ذاتالبعد التوجيهي من جهة ثانية.
إن الانطلاقة الحقيقية لكل بناءاقتصادي لا يقف فقط عند وضع المخططات والاستراتيجيات بل قيام كل تنمية يتوقف بالأساس على توفرالموارد المالية، فانعدام هذه الأخيرةأو تدبيرها بشكل عشوائي بعيدا عن الحكامة الجيدة، يؤدي لا محالة إلى تعطیل قطار التنمية في الجهة، لذلك فالدولة المغربية، ومن خلال إيمانهابالمرتكزات السابقة كعوامل أساسيةالتنمية جهة الصحراء، فقد عملت علىتوفير المواد المالية الضرورية لتدبيرالشأن المحلي في هذه المنطقة ويظهرذلك بالأساس في ميزانية الجهة (ونظامها الضريبي) فهذه المواردسيتم استخلاصها بالخصوص من :
– الضرائب والرسوم والجباياتالتي يتم سنها من طرف السلطات المختصة بالجهة.
– عائدات استغلال المواردالطبيعية المخصصة للجهةجزء من العائدات التي تجنيهاالدولة من استغلال الموارد الطبيعيةالموجودة في الجهة.
– الموارد المالية الضروريةالممنوحة انسجاما مع مبدأ التضامن الوطني.
– عائدات من أصول الجهة.
إلى جانب هذه الميكانيزماتالمالية والتي تبدو كضرورة أساسيةللنهوض بجهة الصحراء علىالمستوى الاقتصادي وبالتالي الرقيبها على المستوى الاجتماعي اتخذالمغربي خطوة مهمة سوف تساهمموقعها في تثمين مجهودات ترسيخ الحكامة الاقتصادية على مستوىجهة الصحراء بشكل خاص تتمثل في إشراك سكان المنطقة في القرارالاقتصادي عبر اقتراحه في إطارمبادرة الحكم الذاتي خلق مجلس اجتماعي واقتصادي بجهةالصحراء المتمتعة بالحكم الذاتي،والذي سوف يتشكل من ممثلين عن الجماعات الاقتصادية والاجتماعيةوالمهنية بالإضافة ألى شخصيات ذات كفاء عالية.
الحكامة الاجتماعية
إذا كانت الحكامة كما ذكرناسابقا لا تكون بدون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافيةوتستوجب وجود نظام متكامل في وجودمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والفترة السياسية والفكريةللمسؤولين في ممارسة وظائفهم وخصوصا تطبيق فصل الخاص عن العام وحماية الشأن العام ومحاسبةالمسؤولين من تعسف واستغلال السياسي.
وإذا كانت معاییر الحكامةتختلف حسب اختلاف المنظمات والمؤسسات الدولية التي تشغل على هذا الموضوع.
حيث نجد أن منظمة التعاون الدولي الوكالة الاقتصادية والسيطرةعلى الادارة وخفض النفقات العسكرية والبنك الدولي يعتمد على معايیر كل من المحاسبة والاستقرارالسياسي وفعالية الحكومة ونوعيةتظهر الاقتصاد والمشاركة وتأمين فرص متساوية للاستفادة من الخدمات التي توفرها الدولةومعايير برنامج الأمم المتحدةالانمائي والشفافية وحسن الاستجابة والتوافق والمحاسبة والرؤية الاستراتيجية فإنها تجد أن مختلف هذه المعايير تتخذ من المقاربةالاجتماعية. كسند رئيسي ودراستنالمشروع الحكم الذاتي الذي اعتمد على مقاربة شمولية سياسية واجتماعية وثقافية حيث أن روح المشروع کمااكتفى المشروع تعبیر جزءا من الجهود المبذولة لبناء مجتمع حديث وديمقراطي يقوم على سلطة القانون والحريات الجماعية والفرديةوالتنمية الاقتصادية والاجتماعيةوهي بذلك تبعث الأعلى هي مستقبلأفضل للشعوب المنطقة ونضع حدا لهللانفصالوالمتبقى وتعزز المعالجةويتجلى المقاربة الاجتماعية في القطاع الاجتماعي، حيث تحدث المشروع بشكل شمولي على القطاع الاجتماعي الإسكان، التعليم والصحة والتشغيل، الرياضةالخدمات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي حيث أن تفعيل هذا القطاع الاجتماعي من شأن أن يحقق لبناءالتنمية الجهوية من الجهة الجنوبيةباعتبار أن جزء تختلف القطاعات والهياكل الاجتماعية التي تشكل محور وركيزة السياسات الاجتماعية تحدث عنها المشروع باعتبار أن السياسات الاجتماعية هي حقل من حقول بناء دولة الحق والديمقراطية.
أما بالنسبة لمسألة مقاربة النوع الاجتماعي فإن المشروع تحدث عن سبل ومسار التعايش المبنية على المساواة ولن يتأتى بدون استثمار البنيات الثقافية والتاريخيةوالدينية للمنطقة الجنوبية من جهةأولى ومن جهة ثانية الاستفادة من الخيارات والموارد . وإذاكانت مقاربة النوع تعبيركأساس حقيقي من أسس حقوق الإنسان فإن مشروع الحكم الذاتي اعتمد على مقاربة حقوقية باعتبار أن تحقيق الدولةالوطنية والاندماج الوطني لن يتم إلابتفعيل حقوق الإنسان بجميع تلاويتها.
الحكامة الثقافية:
يحضى موضوع الحكامة الثقافيةبأهمية بالغة في عالمنا المعولم والمتنوع بالنظر إلى عدة اعتبارات.
الاعتبار الأول:
طغيان ثقافات عالمية متنوعةاستطاعت أن تؤثر على الثقافات المحليةوأصبحت أكتراندماجية مما كانت عليه. وذلك بالنظر إلى سهولة العمليات التواصلية التي احدثها مجتمع المعلوميات حيث أننا أصبحنا أمام وسائل تقنية متعددة الأنظمة الرقميةللإتصال التلفزيوني [الأنترنيت].
ظهور أطروحات جديدة
استطاعت اختراق العالم ثقافياوأقصد أطروحة أمركة العالم حيثنجد الولايات المتحدة الأمريكيةتتحكم في 85 من مستعمليالانترنيت على مستوى العالم عبرتقنياتها المتطورة الاستخباراتيةواللوجستيكية وهاته الهيمنة الثقافيةأثرت على هوية مجموعة منالمجتمعات وثقافتهم وهوياتهم.
فيما سبق نستنتج أن هذين الاعتبارين ساهما في بروز إشكاليةالحكامة الثقافية إلىالواجهةباعتبار أهميتها في بناء الدولةالديمقراطية الحداثة حيث أنالحكامة الثقافية هي حصيلة مجموع حريات الناس والخياراتالتي يتخذونها. وقمع الهوياتالثقافية هو الذي يؤدي حتما إلى النزاع والاستبعاد الاجتماعيوالاقتصادي والسياسي على أساسالثقافة وهما اللذان يوقدان شرارةالعنف والتوترات وقد ساهمتالحكامة الثقافية في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسيا عبر سياسات متعددة الثقافات.
ما سبق نؤكد على أنه صحيح أن الديمقراطية والتنمية وتماسك الدولة أمورا جوهرية لكن الدولةالتي لا تهتم بخلق سياسات متعددةالثقافات تكرس ثقافة الاختلاف التي تعتبر جوهر الديمقراطية المعاصرةلا يمكنها الارتقاء على مراتب أرقی للتنمية وحينما نتحدث عن وثيقةالحكم الذاتي لجهة الصحراء فإنهاوثيقة تعتبر من الوثائق التي تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها،وهذه المبادرة المغربية هي جزء من الجهود المبذولة لبناء مجتمع حدیث وديمقراطي يقوم على سلطةالقانون والحريات الجماعيةوالفردية، حيث أن المجتمع الديمقراطي الحداثي لا يمكن تحقيقه بدون إعطاء الفرصة للجميع لدراسةوإنجاز اختیاراتهم الكبرى والمتنوعةوبواسطة المشاركة هاته يمكن تحقيقالاندماج الوطني والوحدة الوطنيةالتي لا يمكن تحقيقها إلا بخلق سياسات متعددة الثقافات التي تشكل أساسا لبناء الدولةالديمقراطية الحداثية التي بواسطتها يمكن تحقيق النفع العام لجميع المكونات المجتمعية على اختلاف تلاوين هوياتها. ومشروع الحكم الذاتي يدخل ضمن هذاالإطار حيث أنه في تحليل مضامينه نجد أنه يؤكد أن التماثل الثقافي لايمكن تحقيقه إلا أنه باندماج جميع الهويات الثقافية للمغاربة. باعتبار أن المجتمع المغربي هو مجتمع متعددةالهويات. إسلامية افريقية أندلسيةصحراوية أمازيغية عربية. ويبقى العامل الحاسم في تثمين الوحدةالترابية للمغرب هو ترسيخ الديمقراطية وسواءاتخذ مشكل الصحراء النهائي صيغة الاستفتاء أو صيغة اللامركزيةفإن ذلك مرتبط باقتناع المجتمع الصحراوي بالآفاق التي يفتحها له مغرب ديمقراطي وموحد في تحقيق ارتقائه الاجتماعي.
والتعبير الحر عن طموحاته والتنافس البناء في إطار التعدديةالسياسية.
مما سبق نخلص هذا المشروع المغربي فتح إذن إمكانية كبيرة لتدبير أمثل للقطاعاتالاقتصادية والثقافية على مستوى جهات الصحراء، وهو ما يمكن أن يترقي بهذه المنطقة ويدفع بها إلى مستويات متقدمة من التنمية.
للحكامة أوجه وأبعاد مختلفة ومتعددة لكنها من جانب آخر تتجسد في إطار تدبير حكيم وعقلاني للإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
بقلم : عبدالواحد بلقصري