قراءة نقدية مقارنة في النموذج التنموي

هيئة التحرير27 مارس 2022آخر تحديث :
قراءة نقدية مقارنة في النموذج التنموي

بقلم : نجاة الراضي

شكل موضوع النموذج الجديد  بالمغرب خلال الفترة الأخيرة واجهة من واجهات  النقاش  العمومي ، بحكم الظرفية التي ظهر فيها و السياق الوطني و الدولي  الذي صدر فيه التقرير هذا من جهة ،ومن جهة أخرى بالنظر إلى الإشكاليات والقضايا و التوصيات التي جاء بها،ومن جهة ثالثة وأخيرة  بحكم الدراسات والتحاليل و الآراء التي طرحها وناقشت التقرير .  

لقد حظي النموذج التنموي المغربي في الفترات السابقة بإشادة ملـــــــكية  في لخطاباته حيث أننا نجد الخطابات  الملكية في السنوات الثلاث الأخيرة تكرر فيها الموضوع بشكل ملحوظ حيث في 13 أكتوبر 2017 خلال افتتاح الدورة البرلمانية من السنة التشريعية الأولى دعا العاهل المغربي إلى اعتماد نموذج تنموي حديث ، كما أكد على ضرورة القيام بتقييم موضـــــــعي للنموذج الحالي بعرض إشكالاته ، وذلك في أفق إرساء نموذج تنموي ينبني على سياسيات عمومية معقلنة وفعالة واقتصاد قوي إنتاجي تنافسي  .

وخلال خطاب العرش بتاريخ 30يوليوز 2019 تم تحديد الدعوة لبلورة مشروع تنموي جديد مع الحديث عن إحداث لجنة استشارية تعمل على وضع شخصيات تنتمي إلى قطاعات مختلفة .

مما سبق نستنتج آن الفاعل المركزي في المغرب قد أقر من خلال الخطب الملكية التي ذكرناها سابقا بأوجه الخلل التي تطبع النموذج التنموي الحالي بالرغم من الأوراش  الاقتصادية الكبرى التي أطلقها المغرب وأشاد بها البنك الدولي (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية …)حيث انه، وإذا كان تقرير البنك الدولي في سنة1995  قد اقر بالسكتة القلبية التي وصل إليها المغرب ،والتقرير الأمريكي ماكينزي الذي اقر أن المغرب يمكن أن يصل إلى السكتة الدماغية (ماي 2003) بحكم القرارات الاقتصادية المالية وحجم المديونية ومعدل النمو الاقتصادي ،بالإضافة إلى مشاكل اقتصادية معقدة مرتبطة بالإشتراطيات السياسية للمؤسسات الدولية المانحة والتي أثرت بشكل كبير على رتبة المغرب في تقرير التنمية البشرية منذ صدوره سنة 1990 إلى ألان، حيث تراوحت رتبة المغرب مابين 120 و130 وبالتالي اعتبر المغرب من الدول التي تتوفر على رتب تنمية منخفضة .

كل هاته الأسباب خلقت لنا  فوارق ترابية  ومجاليه  دفعت بعاهل البلاد إلى تشكيل لجنة استشارية لوضع نموذج جديد.  ترى ماهي أهم مرتكزات التقرير التنموي الجديد ؟.هذا ما ستأتطرق إليه في المبحث الأول من خلال مطلبين .

المطلب الاول :المحاور الكبرى لتقري النموذج التنموي الجديد 

و المطلب الثاني مرتكزات ومقومات تقرير النموذج التنموي الجديد 

المطلب الأول :المحاور الكبرى لتقرير النموذج التنموي الجديد

أكدت اللجنة الاستشارية لتقرير النموذج التنموي الجديد المشكلة من 35 شخصية من المسؤولين والخبراء والأكاديميين على أن التقييم الموضوعي لواقع التنمية بالمغرب يقتضي الإقرار بأن هناك العديد من المكتسبات التي تحققت خلال العقود الأخيرة سواء فيما يتعلق بإحداث وتطور البنيات التحتية وإطلاق مشاريع اقتصادية كبرى ،غير أنه في مقابل ذلك مازالت المشاكل المطروحة التي تساءل السياسات العمومية وطنيا ومحليا ،حيث أن هناك العديد من التقارير الوطنية والدولية التي تقر بوجود اختلالات تنموية وقبل إعطاء وتبيان المحاور الكبرى التي جاءت بها اللجنة .

يمكن إجمال المشاكل الكبرى في نظر المحللين والباحثين فيما يلي:

وجود فوارق ترابية ومجالية واجتماعية 

انتشار الفقر والتهميش 

تراجع مكانة الطبقة الوسطى داخل الفضاءات القروية وجود اختلالات تتعلق بمنظومة التربية والتكوين وعدم انفتاحها على سوق الشغل 

-وجود عزلة بعض المناطق النائية 

دون أن ننسى ضعف التقائية السياسات العمومية وعدم الثقة في المنتخبين والفاعلين الاقتصاديين ،وبالرغم من الجهود المبذولة في مجال تنمية الرأسمال البشري غير أن هذه الجهود لم يواكبها تحسن في جودة خدمات التربية والتكوين بإضافة إلى المشاكل المعقدة التي أقرتها اللجنة والتي ترتبط بالعدالة الاجتماعية والنظم الصحية .

كل هذه الاعتبارات جعلت اللجنة تقترح مجموعة من المحاور الكبرى التي يجب الاشتغال عليها وهي :

المحور الأول : اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق مناصب شغل وذلك عبر تأمين المبادرة المقاولاتية وإزالة الحواجز الإدارية وضمان منافسة سلمية وتقوية أجهزة الضبط، بالإضافة إلى حماية المقاولات بواسطة آليات فعالة للتظلم والطعن .

كما أكد التقرير في هذا المحور على انه على الفاعلين الاقتصاديين أن يتجهوا إلى الأنشطة المنتجة وذلك من خلال تحقيق الطموحات الإستراتيجية القطاعية ،وذلك عبر مراجعة الإطار التحفيزي للاستثمار من اجل توجيه المستثمرين إلى الأنشطة الإنتاجية ودعم تنمية المقاولات الصغرى بشكل أكثر قوة ومن أجل تعزيز قدراتها التنظيمية والتكنولوجية وتوظيف الطلبيات المنتجة وإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي وإحداث صناعة تنافسية وتخفيف تكاليف الطاقة واللوجيستيك وتطوير مناطق مخصصة ذات الجودة المطلوبة وجعل الرقميات والقدرات التكنولوجية واعتماد إطار تأسيسي للاقتصاد الاجتماعي الجديد وتنمية الكفاءات عن طريق إشراك القطاع الخاص في عملية التكوين.

أما المحور الثاني : فقد أكد بلغة صريحة على أن الرأسمال البشري يجب أن يكون أكثر استعدادا للمستقبل ،وذلك عبر النقط التالية :

المسألة الأولى :تعليم ذي جودة للجميع 

المسألة الثانية :نظام للتعليم الجامعي والتكوين المهني والبحث العلمي يرتكز على حسن الأداء ويستند على حكامة مستقلة ومحملة للمسؤوليات .

المسألة الثالثة : ضمان الولوج لخدمات صحية ذات جودة وللحماية الصحية باعتبارها حقوقا أساسية للمواطنين .

المحور الثالث : خلق فرص لإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماعي وذلك عبر النقط التالية :

المسألة الأولى : تمكين الشباب من الاستقلالية وضمان المساواة بين الجنسين و المشاركة .

المسألة الثانية :تشجيع إدماج وازدهار الشباب بالزيادة في فرص وسبل المشاركة المتاحة لهم .

المسألة الثالثة : أشار فيها التقرير الى  تعبئة النهوض بالتنوع الثقافي كرافعة للانفتاح وللحوار والتماسك .

المسألة الرابعة :    أوضح فيها كيفية ضمان قاعدة أساسية في الحماية الاجتماعية تعزز الإدماج والقدرة على التحمل وتجسيد التضامن بين المواطنين .

أما المحور الرابع   فقد بين لنا بلغة صريحة المجالات الترابية القادرة على التكيف والفضاءات التي بواسطتها يمكن ترسيخ أسس السعي الى ذلك، وذلك عبر المداخل التالية : 

المدخل الأول :

العمل على انبثاق مغرب الجهات  مزدهر وحيوي 

المدخل الثاني : 

ضمان إعادة تنظيم متجدد للمستويات الترابية وتشجيع ترابطها .

المدخل رقم 3 :

تيسير تعبئة مندمجة للمجالات الترابية وتحسن السكن وإطار العيش وتعزيز الربط بالشبكات  و التنقل .

المدخل رقم 4 : الحفاظ على المؤازرة الطبيعية والحرس على التفعيل .. الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة .

المطلب الثاني :مرتكزات التقرير السنوي الجديد :

سوف أحاول في هذا المطلب أن احدد المرتكزات التي أسس عليها التقرير تقييمه وتشخيصه من خلال مقارباته التشاورية المعتمدة للخروج بتوصيات على أساسها .

كما أكد التقريران تكون إحدى المبادئ التي تؤسس  لميثاق وطني للتنمية ويمكن إجمالها في عشر مرتكزات وهي :

المرتكز الاول : شكل الاقتصاد الذي نريده لخلق الثروات .

المرتكز الثاني : : إعادة الاعتبار للملف أو حلحلة الملف الاجتماعي كأحد المداخل الأساسية للعدالة الاجتماعية

المرتكز الثالث : الحكامة المؤسساتية التي من شأنها أن تعطي سياسات عمومية

المرتكز رقم 4 :الانتقال الطاقي رهان للمستقبل 

المرتكز رقم 5:التعليم والبحث العلمي بوابتنا الأساسية نحو تنمية مستدامة 

المرتكز رقم 6:إصلاح الوظيفة العمومية 

المرتكز رقم 7: التشغيل وضرورة اعتباره رهانا أفقيا 

المرتكز رقم 8: نهج سياسة فعلية للتضامن مع العالم القروي والمناطق النائية .

المرتكز رقم 9: الايكولوجيا مجال استثماري واعد 

المرتكز رقم 10 : الثقافة والثروات اللامادية ليست ترفا كماليا 

وقد أكد التقرير بلغة صريحة أن طرح رهان تحقيق التنمية  سيتطلب التعاطي مع الأمر لتشكيل شمولي من خلال وضع المواطن في صلب العملية التنموية وتيسير ولوجه .إلى مختلف الخدمات الاجتماعية والاهتمام بالفئات الهشة .عبر خلق فرص الشغل وتطوير منظومة التعليم والحد من هجرة الكفاءات مع نهج الديمقراطية التشاركية والتخطيط الاستراتيجي في هذا الخصوص ، وإشراك فعاليات المجتمع المدني ومراكز البحث والجامعات في ربح هذا الرهان .

ولقد تم تقديم هذه المرتكزات كما ذكرنا سابقا على مقاربة مهمة  اعتمدها التقرير في ورشاته التشاورية وتعميمه للوضع حيث أكدت اللجنة أن طرح هذا النقاش المرتبط بالقضايا التي ارتكز عليها التقرير هو لحظة فارقة للتعبئة والمصارحة ، والوقوف على  المشاكل التي مازالت تقف عثرة أمام تحقيق رهانات تنمية مستدامة ، قادرة على الاستجابة لمختلف الحاجات المطروحة ، والأمر يسائل مختلف الفاعلين من حكومة وبرلمان ومؤسسات حكومية وجماعات ترابية ونخب مختلفة .

مما سبق ومن خلال دراستنا لمحاور ومرتكزات التقرير سيتضح لنا أن التقرير اعتمد مرجعية للتنمية كفاعل مركزي وتحولي للنموذج التنموي، ترتكز على توجه تنظيمي جديد بشأن دور الدولة وعلى تقليص تداخل الأدوار وعلى  مبادئ العمل ومسؤوليات مختلف الفاعلين في إطار مشروع جماعي وجامع وبأهداف واضحة وقابلة للتحقيق على اختيارات وتوجهات استراتيجية .

    وخلص التقرير في ذلك وكل هذه المحاور والمرتكزات أن لها أساس علمي ومنهجية جديدة يمكن لها أن تبني لنا  نموذج تنموي  جديد من شأنه أن يحقق لنا عدالة اجتماعية مبنية على التوزيع العادل للثروة .

هذا ما سوف نستشفه في مبحثنا من خلال ردود وأراء مختلف الفاعلين من جهة ومن خلال دراسة بعض النماذج المقارنة  من جهة ثانية .

المبحت الثاني :ردود الفاعلين السياسين و الاقتصادين و الاكاديميين حول التقرير التنموي الحديت و دراسة بعض التجارب المقارنة.

المطلب الاول :دراسة بعض أراء وردود الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والأكاديميين .

شكل تقرير النموذج التنموي الجديد واجهة للنقاش العمومي منذ صــــــدوره بالنظر إلى الندوات واللقاءات والأحداث الأكاديمية الكبرى التي صاحبته ومن خلال تقديمه من طرف أعضاء اللجنة ، سوف نحاول أن نعطي بعض النماذج التي ناقشت التقرير ، حيث سوف أبدأ بالفاعل الاقتصادي الذي قام بعدة حوارات وأقصد الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي  الذي يعتبر  أحد الخبراء الاقتصاديين الكبار وقد  قدم عدة ملاحظات في هذا الشأن ، 

 الملاحظة الأولى : إن التقرير يتضمن تشخيصا سطحيا ومغلوطا ولا يتجاوز الخطوط الحمراء حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي رغم الدعوة الملكية الى رفع الستار عن ذلك.

الملاحظة الثانية : من الناحية المنهجية يتحدث التقرير عن الديمقراطية ودولة الحـــــق و القانون و الديمقراطية التشاركية لكن المشكل الكبير أننا أمام منتوج وضـــــــــــــعته نخبة تقنوقراطية أعطت تقريرها للملك   .

  الملاحظة الثالثة: أن 90%  من الأحزاب السياسية لم تفصح بعد عن برنامجيها الانتخابي قبل الانتخابات التي انعقدت بتاريخ 08 شنبر 2021، وقبل صدور التقرير لأنها كانت تنتظر تقرير اللجنة  وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول معنى العملية الانتخابية .

الملاحظة الرابعة   : مفهوم النموذج التنموي  كمصطلح لم يتم شرحه ولا تفصيل المقصود به.

   الملاحظة الخامسة    : أن التقرير يتضمن لغة و أسلوبا محتشما لا يسمى الأشــــــــــياء بمسمياتها و أن التقرير سطحي ولا يرمي إلى تشخيص الإشكاليات المعمقة داخل المجتمع كما أنه لا يخرج باختيارات كبرى .

  الملاحظة السادسة    : لم يتطرق بتفصيل إلى الإصلاحات الكبرى التي عرفها المغرب وهل أدت إلى تغيير بنية الدولة أم لا .(الجهوية الموسعة ،المبادرة الوطنية للتنــــــــــــمية البشرية،مخطط المغرب الأخضر……)

الملاحظة السابعة    :التقرير لم يتطرق  إلى فشل الاختيارات الفاشلة في تشخيصه ولم يكن موضوعيا في تحليله .

وقد.قدم  الباحث في العلوم السياسية ورئيس المنتدى المدني  الديمقراطي ورئيس مركز الدراسات و الأبحاث في العلوم الاجتماعية الدكتور عبد لله ساعف على أن التقرير الجديد يفتح هامشا للإصلاح يتيح توسيع هوامش الفعل و التأثير على الواقع غير أنه يتوجب إتاحة المجال  أمام بروز عدة نماذج التي ترتبط بعدد التحولات حول السياسات العمومية و التي يتم الحسم فيها حول الاستحقاقات الانتخابية.

حيث تستدعي المرحلة التي يعيشها المغرب منذ ثلاث أعوام ،إعادة النظر في النموذج التنموي اذ أشار بلغة  شفافة الى أن الاختيارات الكبرى كان يجب مراجعتها بعد حصيلة التقرير التنموي الجديد مشيرا إلى أن المسارات التي تم سلكها محليا و كأنها استنفدت أو تعبت كما اعتبر أنها لحظة تفكير و أكد على أن وجود النموذج لا يعني التصورات التي تحملها الأحزاب للسياسات العمومية حيث يجب أن تكون هناك مسافة ،لأن المشروع  المجتمعي تبنيه الأحزاب السياسية  لأن الحزب السياسي أولا وأخيرا هو من يتحمل المسؤولية السياسية في مشروعه واختياراته السياسية .

المطلب الثاني :عرض لنماذج تنموية مقارنة لدول استطاعت النهوض بعد الاستقلال في وقت وجيز

*تجربة سنغافورة

نجحـت سـنغافورة بعـد انفـصالها عـن ماليزيـا فـي العـام 1996 فـي تحويـل بلـدها من دولة ضعيفة الى دولة قوية بفضل السياسات الناجحة والمتوازنة التي طبقتها البلاد طوال السنوات الماضية والتي جعلت منها ابرز الاقتصاديات العالمية . أدرك قـادة سـنغافورة منـذ وقـت مبكـر أن التنميـة فـي الجانـب الاجتمـاعي سـتكون مكملة للتنمية في الجانب الاقتصادي لكونه العنصر الأسـاس الـذي تعتمـد عليـه عمليـة التنمية والمرتكز الرئيسي الذي يدعم تفـوق الـدول علـى المـستويين الإقليمـي والعـالمي ، وهـذا التمـازج الفعـال جعـل تجربـة سـنغافورة التنمويـة مثـالا يحتـذى بـه فـي كيفيـة بنـاء الدولة ودعم الاستقرار والنمو فيها.

تبلغ مساحة سنغافورة التي تتكون من 55 جزيرة واحدة كبرى وهي الرئيسية والباقي جزر صغير ة 3618 كلم مربع وتقع في جنوب شرق أسيا قبالة الطرف الجنوبي لشبه جزيرة المالايا مما يجعلها واحدة من اصغر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أما عدد سكانها فيصل حسب إحصاءات العام 2014 إلى 8.969.5 مليون نسمة ما يجعلها من أكثر دول العالم كثافة بالسكان، و ينقسم سكان سنغافورة إلى ثلاث مجموعات عرقية رئيسية هي الصينيون 76 %والماليزيون14 %9والهنود و أقليات مختلفة 1%أما الأديان التي يعتنقها هؤلاء فتقسم كالأتي: البوذية 9,30 % ،الهندوسية% 12.8 والمسيحية% 15.3والاسلام%22.3 والطاوية2%.

أدى انقسام المجتمع السنغافوري إلى أقليات مختلفة إلى انتشار ثلاث لغات رئيسية هي الصينية والمالاوية والهندية فضلا عن اللغة الانكليزية التي تعد اللغة الرسمية المستخدمة في الدوائر الحكومية و الهيئات التعليمية.

إذا كان الحكم الاستعماري البريطاني قد وضع أسس سنغافورة الحديثة، وجعل منها مركزا تجاريا بريطانيا و ميناءا حرا للمشاريع الخاصة الغربية والأسيوية على حد سواء، إلا أن ذلك لم يكون دون فرض احتكار ورسوم أو حتى قيود تجارية أخرى، كما وضعت بريطانيا خططا للفصل بين الأقليات العرقية الموجودة بالجزيرة وإنشاء مدن ومجتمعات تخشى بعضها الأخر مثل المجتمع الصيني و الهندي.

أدركت سنغافورة منذ وقت مبكر ضرورة إجراء توازن فعال ما بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية ،فإذا كانت الأولى تمثل ضرورة للثانية فأن الثانية مكملة للأولى ، لذا أولت قضايا التعليم والإسكان والصحة ورفاهية المجتمع أهمية بالغة وخصصت لها ميزانيات كبيرة نظرا لاعتقادها ان العنصر البشري يمكن أن يشكل 49عنصرا إنتاجيا كما هي الأرض ورأس المال ، فالتنمية البشرية تمثل مجموعة من الآليات والوسائل التي تثير الحافز لدى الفرد لكي يكون منتجا وهذا سيجعله يملك القدرة على تحقيق اكبر قدر ممكن من الرفاهية والاكتفاء الذاتي في جميع جوانب حياته الشخصية ، وهذا الأمر سيخلق لديه المقدرة على المساهمة في بناء مجتمعه ودولته عبر التواصل مع باقي أفراد مجتمعه والتفاعل معهم في إطار جو من المساواة والعدالة والديمقراطية .

لم تقتصر الحكومة السنغافورية اهتمامها بالتعليم الأولي وإنما وجهت اهتماما خاصا بالتعليم العالي من خلال إتباع خطوات عدة أبرزها ، اولا: إنشاء جامعات تواكب التخصصات الجديدة في سوق العمل الدولي ، ثانيا: ربط الجامعات الوطنية بعلاقات وثيقة بالمؤسسات والجامعات العالمية ، ثالثا: زيادة الإنفاق على التعليم خاصة ما يتعلق منها بالبحث والتطوير ، ورابعا: دعم الحكومة لجهود الشركات السنغافورية في مجال التدريب لموظفيها.

يعد التعليم العالي في سنغافورة واحدا من أفضل نظم التعليم العالمية نظرا لاعتماده على ميزتين أساسيتين هما الانتقاء والجودة . 

آمنت سنغافورة بأن التكلفة الباهظة الناتجة عن النزاعات الإقليمية والحروب الأهلية والمشاكل الداخلية التي عانت من ويلاتها وآثارها المدمرة دول قريبة منها بأن عليها ان تنأى بنفسها عن الانخراط في مثل هذه القضايا والانصراف إلى بناء بلدها ومنحه السلام والاستقرار الكفيل بجعلها تحقق ما تصبو إليه بأقل الخسائر واقصر الطرق ، فالأمل بمستقبل واعد شكل محور اهتماماتها وسياساتها وتطلعاتها وهذا قادها إلى الاسترشاد والعمل على وفق ما يأتي:

1 –انها عملت (سنغافورة)على تحويل طردها من ماليزيا من عامل سلبي إلى أخر ايجابي ، فهذا الإبعاد شكل حافزا قويا لها بأن تبني بلدها و تثبت وجودها بعيدا عن مشاكل ماليزيا

2 -جعلت سنغافورة من نفسها نموذجا عالميا يمكن استلهام الدروس والعبر منه ، فدولة صغيرة بموارد محدودة تمكنت من أن تتحول إلى أعجوبة يشار لها بالبنيان فيما أن هناك دول اكبر حجما وأكثر سكانا وموردا لم تحقق ربع ما وصلت إليه سنغافورة وهذا هو حال بلداننا العربية.

3- تمكن قادة سنغافورة من إكساب الرأسمالية صفة من صفاتها وهي الصفة الإنسانية. . فالشكل المتوحش والذي لا يرحم للرأسمالية تحول في سنغافو رة بفضل تطويع قادتها للرأسمالية وتكييفها مع ظروف البلاد إلى رأسمالية تحمل في احد جوانبها الرحمة والعدالة والإنسانية ، وهذا ما أعطى للأخيرة وجها جديدا ومغايرا لما ألفناه سابقا ، فهي حسب الطرح السنغافوري قابلة للتشذيب والتعديل والتغيير حسب ظروف كل بلد شريطة ان يملك ذلك البلد القدرة على مواءمتها بشكل متوازن ومعقول.

*بالنسبة للتجربة الرواندية . 

إن إعادة بناء دولة حديثة، على الرغم من وجود تاريخ دموي من العنف والاضطهاد والنزاعات المسلحة الداخلية، هو أمرٌ واقعي يمكن إنجازه. ومع ذلك، فإن المقارنة والقياس من أجل الوصول إلى التطابق أو المقاربة بين الدول التي ليست هي الغرض من هذا البحث، هي مهمة تكاد تكون مستحيلة على جميع المستويات، ولكن مشاركة الخبرة البشرية، لمعرفة كيفية إعادة بناء المجتمع والدولة، في أمّةٍ ما عانت الأمرّين من الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، هي أمرٌ مهم وملهم للغاية.

يعود النزاع في رواندا إلى الستينيات من القرن الماضي، إذ تركت سياسات وممارسات الاستعمار الأجنبي تأثيرًا كبيرًا على المجتمع والسلم الأهلي الرواندي.  حيث أدت السياسات الاستعمارية إلى انقسامات عميقة -منذ ذلك الحين- بين أقلية (التوتسي) الذين يمثلون حوالي 10 %، وأغلبية (الهوتو) الذين يمثلون حوالي 85 % من مجمل سكان البلاد. إذ عمد الاستعمار البلجيكي إلى تفضيل ومحاباة الأقلية، على حساب الأغلبية، في كل مناحي الحياة تقريبًا؛ فكانت أغلب مجالات التعليم والمناصب السياسية والرسمية والحكومية والمناصب الإدارية، وما إلى ذلك، حكرًا على أقلية التوتسي؛ وقد زاد هذا الأمر من شعور الهوتو بالظلم والتعسف، وأدى في الوقت نفسه إلى حدوث تعطش للسلطة، بين أغلبية الهوتو الذين اغتنموا الفرصة -عند جلاء الاستعمار- لتحويل واقع فظ سِمَتُهُ ممارسات الإقصاء والتمييز ضدهم، إلى ممارسات انتقام وعنف تجاه أقلية التوتسي، عند أول فرصة لاحت لهم في الأفق.

بين عامي 1991 و1994، بدأت حرب أهلية بين المكونين الرئيسيين: التوتسي والهوتو  وفي عام 1994 بأوامر من وزراء الحكومة آنذاك، انقلبت غالبية سكان الهوتو في البلاد، على الأقلية التوتسية، بمشاهد انتقامات إجرامية وقاسية، وقد أسفر ذلك عن تدمير، مقتل حوالي مليون رجل وامرأة وطفل، خلال 100 يوم فقط ومع عدم وجود مكان للهرب، تعرض ما يقرب من 75 % من سكان التوتسي للإبادة والقنص والضرب حتى الموت، في أغلب المدن والقرى الرواندية، وفي جميع أنحاء البلاد ككل. وقام بهذه الجرائم أغلبيةُ الهوتو حتى الذين كانوا أصدقاء وجيران سابقين للتوتسي. وفي الوقت نفسه، قُتِلَ أيضا أكثر من 30.000 من الهوتو المعتدلين الذين لم يشاركوا أو رفضوا المشاركة في هذه الإبادة الجماعية، إذ اعتُبروا “خائنين”، يجب التخلص منهم، ونتيجة لهذه الفظائع؛ لجأ أكثر من ثلث السكان (مليوني رواندي) إلى البلدان المجاورة، بحلول غشت 1994.

يذكر صندوق النقد الدولي أنه بعد الإبادة الجماعية مباشرة؛ “حصل هنالك انهيار للقدرة الإدارية على مستوى الحكومة المركزية والمحلية، وحصل شللٌ تام في تقديم الخدمات الاجتماعية والمالية علاوة على ذلك، “قُتِلَ حوالي 40 % من موظفي الخدمة المدنية آنذاك، أو فرّوا من البلاد، وزاد التضخم المرتفع والأجور المنخفضة من تحدي الموارد البشرية بشكل كبير”. وكانت نتيجة هذه الكارثة ضخمة على جميع قطاعات الدولة، في السنوات اللاحقة للإبادة، حيث انتجت واقعًا “كان فيه 80 % من الموظفين العموميين دون شهادة المرحلة الثانوية، و3.5 % فقط من موظفي وزارة الصحة كانوا أطباء أو ممرضين مؤهلين، بحلول عام منذ العام 2000تمت  المشاركة بشكل واسع  النطاق في تصميم وتنفيذ ورصد المشاريع والسياسات الحكومية بأشكالها كافة. وجرت انتخابات على جميع المستويات في البلد -في المدن والبلدات والقرى- للمرة الثانية في عام 2002. ويمثل “صندوق تنمية المجتمع” مؤسسة حيوية في جهود اللامركزية، حيث يشرف وينسق -بعناية- على إدارة المناطق والبلديات، كما أنه يمثل قناةً لتوزيع الميزانيات التي تُخصّص للمشاريع أو البرامج على مستوى المقاطعات، والمنح المقدمة مباشرة لهذه المقاطعات، حيث تشمل الأولويات: المشاريع التعليمية، والمشاريع الصحية، ومشاريع البنية التحتية 

وكذلك أُدخل برنامج لإعادة تدريس التاريخ الرواندي، يقوم على التسامح، لا النسيان، خاصة في “معسكرات التضامن” التي أحدثتها الحكومة الجديدة بعد عام 1994، وتم تعميم هذه المعسكرات بعد ذلك على نطاق واسع يشمل جميع المواطنين. تقوم هذه المعسكرات بدمج مختلف أفراد وأطياف المجتمع لتأدية أعمال ومشاريع مناطقية صغيرة، لخلق بيئة يعمل فيها جميع المواطنين جنبًا إلى جنب. واقترنت هذه التغييرات والإصلاحات بتأسيس “اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة”، وسنّ قوانين جديدة، تجرّم التعبير عن الاختلاف على أسس عرقية؛ فكانت معسكرات التضامن، من خلال المشاركة الإلزامية، 

وإضافة إلى ذلك، أُنشئت محاكم المجتمع المحلي لتطبيق العدالة، وقد أحدثت هذه المحاكم في الواقع نقلة نوعية في المجتمع، ففي غضون سبع سنوات بعد عام 2002، عُقدت أكثر من 11000 محكمة محلية، يعمل فيها أكثر من 100.000 قاض غير قانوني، للنظر في حكم أكثر من مليون قضية إبادة جماعية، مع حضور إلزامي من المجتمع المحلي، وكانت تعقد هذه المحاكمات كلّ أسبوع.

وأعطت الحكومة الأولوية للنساء، وأدخلت الهياكل والعمليات المصممة للنهوض بهنّ، على جميع مستويات القيادة والدولة،وبذلك مكّن اعتراف السلطات والمجتمع ككل، بتضحيات المرأة وبأهمية دورها في إعادة بناء الدولة، المرأةَ الرواندية من المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد قال الرئيس كاغامي، خلال الافتتاح الرسمي لورشة عمل تدريبية حول “التنوع الجندري” للبرلمانيين: إن هذه الاختلافات ليست فقط عقبة أمام تنمية البلاد، ولكنها تمثل شكلًا من أشكال الظلم الاجتماعي. يتحتم على المشرعين وصانعي السياسات والمنفذين لدينا إجراءُ تحليل موضوعي وصحيح.

في الختام، من الواضح الآن أن رواندا أعطت العالمَ مثالًا واقعيًا عن إمكانية النهوض بعد السقوط، وعن كيفية النهوض، ولكن هذا لم يتمّ من خلال تجنب حقيقة أن رواندا سقطت وتضررت بالفعل، إنما من خلال تعلّم كيفية بناء مستقبل الأمة بالاستفادة من أخطاء الماضي، ولم تُدفن هذه الأخطاء والكوارث بعيدًا عن الوجدان الرواندي، وإنما حُوّلت إلى منارات تضيء للروانديين طريق مستقبلهم المشرق. ولضمان هذا المستقبل، تم تنفيذ آليات مختلفة بعناية وبشجاعة، لتعالج الطبيعة التاريخية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة للأمة الرواندية. ومن الجدير أن تُدرس هذه التجربة بعناية وعمق أكثر، خاصة من قِبلِ تلك البلدان التي وقعت في دوامة الحروب الأهلية، لاستلهام الدروس واستخلاص العِبر..

خلاصات :

نخلص في الأخير  إلى الخلاصات التالية :

الخلاصة الأولى : أن التقرير هو عبارة عن معاينة وليس تشخيص حيث أن في جرده للاختلالات التنموية التي عرفها المغرب بعد الاستقلال لم يتحدث بصراحة عن التراكمات السلبية التي عرفها التاريخ السياسي للمغرب وفشل سياساته العمومية والتي أعطت لنا فجوة وهوة كبيرة بين الدولة والمجتمع .

الخلاصة الثانية : عكس تقرير الخمسينية  المغرب الممكن الذي انفتح على الدراسات الانتروبولوجية والسوسيولوجية التي عرفها المغرب المستقل وذلك من خلال إشراكه للعديد من الباحثين والاكاديميين ،  فإن التقرير التنموي لم ينفتح على الجامعة وباحثيها وهو إشكال يجب الوقوف عليه كثيرا ،حيث انه في عمق التجارب التنموية لدولة سنغافورة بالأخص نجد الجامعة بحسها النقدي وبتراكماتها المعرفية كانت ركيزة   أساسية بل وكانت ضمن أولويات الإصلاحات التي ساهمت بشكل كبير في نجاح هاته التجارب .

الخلاصة الثالثة : أن الميثاق الوطني للتنمية مازال يلفه الغموض وتوقيعه من طرف الأحزاب السياسية يطرح علامة استفهام كبيرة حول إشكالية البرنامجية داخل الأحزاب السياسية المغربية .

إعداد :نجاة الراضي  

طالبة باحثة بسلك ماستر  التنمية المحلية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة