في خطوة تُكرّس مكانتها كمحور للابتكار البيئي، تحتضن جهة الداخلة وادي الذهب، جنوب المغرب، تجارب تقنية رائدة لنظام “Seawing”، وهو ابتكار عالمي يهدف إلى استخدام طاقة الرياح لدفع السفن وتقليص بصمتها الكربونية، في انسجام مع التوجه الدولي نحو النقل البحري المستدام.
هذا المشروع، الذي تُشرف عليه الشركة الفرنسية “Airseas”، يُعد نموذجاً لثورة التكنولوجيا الخضراء. تأسست الشركة عام 2016 على يد مهندسين سابقين في “إيرباص”، واستطاعت أن تطور حلولاً مبتكرة للاستفادة من الطاقات النظيفة، وعلى رأسها الرياح، كمصدر دفع بديل أو مكمّل للوقود الأحفوري في قطاع الشحن البحري.
تعتمد تقنية “Seawing” على جناح ضخم شبيه بمظلة الطائرات الشراعية (kite wing)، يُثبّت في مقدمة السفينة ويُدار بالكامل بأنظمة ذكية ذاتية التشغيل. هذه الأنظمة تحلل اتجاه الرياح وسرعتها بشكل لحظي، وتضبط وضعية الجناح لتحقيق أعلى كفاءة في الدفع الهوائي. وما يميز التقنية قدرتها على الفتح والانطواء تلقائياً دون تدخل بشري مباشر، مما يمنح السفن مرونة في التشغيل ويُسهم في تقليص استهلاك الوقود بما يصل إلى 20% وفق تقديرات أولية للشركة المطوّرة.
وتأتي هذه التجارب في سياق رؤية المغرب لتكريس موقعه كمختبر مفتوح للتكنولوجيا البيئية المتقدمة، مستفيداً من موقعه الاستراتيجي بين الأطلسي والمتوسط، ومن التزامه القوي بالتحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون، بما ينسجم مع النموذج التنموي الجديد وأهداف المناخ العالمية.
عالمياً، تُعتبر “Seawing” من أبرز الابتكارات لمواجهة التحديات البيئية في قطاع الشحن البحري، الذي يُسهم بما يقارب 3% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة على المستوى الدولي. ومن شأن تبنّي هذه التقنية أن يُحدث تحوّلاً نوعياً في أساليب النقل البحري، خصوصاً في ظل التشريعات الصارمة للحد من الانبعاثات.
اختيار الداخلة كنقطة انطلاق لهذه التجارب يحمل دلالة استراتيجية ورمزية: فهو يعكس قدرة المغرب على احتضان المشاريع التكنولوجية المتقدمة، ويؤشر على انفتاح الشركات الأوروبية على التعاون مع الشركاء الأفارقة لتعميم حلول النقل المستدام.
وتُنتظر في السنوات القليلة المقبلة توسعة استخدام تكنولوجيا “Seawing” بعد نجاح مرحلتها التجريبية في الداخلة، في أفق إحداث ثورة في مفهوم التنقل البحري، والانتقال من مرحلة الاختبارات إلى التطبيق التجاري الشامل.
