أحمد لمرابط
تعتبر الداخلة ثاني أكبر حواضر الصّحراء بعد العيون ، سميت الداخلة ، بسبب دخولها في المحيط الأطلسي ، بمسافة أربعين كلم ، يطلق عليها البعض، غزلاً، ”لؤلؤة الجنوب “، بينما يأبى الناقمون على وضعها الهش، إلا أن يُسموها ”الجُرف الملعون“.
مقدمة تكفي لإماطة نقاب الهشاشة
الصارخة بمدينة الداخلة ، بما لا يدع مجالاً للشك ،أن هشاشة بنيتها التحتية ، ينضاف إليه واقع آخر أكثر بؤساً ، في مدينة حباها الله ببحرٍ وافر العطاء، ونشاط فلاحي مزدهر وسياحة متطورة ومشاريع متفرقة في شتى الميادين والمجالات .
سفيان ، شاب رماه البحث عن لقمة العيش، من ”سيدي افني “، إلى ”الداخلة“، يشتغل في مقهى بحي السلام ، يقول في دردشة مع ” الساحل بريس“: ”الصحراويون حتى هم يشتكون من التهميش وسوء البنية التحتية، وانعدام المرافق الإجتماعية“. مضيفاً، ”كنت أظن أن جمال مدن الصحراء ما بعده جمال، حسب ما يتم ترويجه في القنوات الرسمية ، والحقيقة أنه بلا استثناء ، كل المدن تعاني من مشاكل لا حصر لها“.
فمن المشاكل، والتي لا حصر لها على رأي سفيان ، تصدمك الأسعار ، في المواد الغذائية، هنا في هذه المدينةِ المعفيةِ من الضرائب، إذ يبلغ ثمن لترٍ من الحليب 11 درهم ، وثمن كأس اليوغورت ثلاثة درتهم ، عند كل محل بقالة، الذي يعلل البائع فيه، الثمن المرتفع، بسبب النقل، وبعد المدينة عن المركز، ومئات الكيلومترات التي تقطعها الشاحنات بالساعات، فالمسافة بين الداخلة وأكادير تتجاوز الألف كلم، ويتطلب قطعها ثلاثاً وعشرين ساعة.
ويضيف سفيان أن ثمن اللحوم يبلغ ثمانين درهم للكلغ الواحد ، وستة وعشرين لكلغ الدجاج ، أما الفواكه والخضراوات، فالأثمنة تزيد درهماً وتنقص من بائع لآخر، إذ يتراوح ثمنها ما بين ثمانية إلى عشر دراهم ، باستثناء الطماطم ، فهي تترنح من واحد لآخر بين عشرة وإثني عشر درهماً ، والغريب أن البعد والمسافات التي يعلل بها البقالون غلاء الأسعار، لا يمكن أن تُسقط على الطماطم، فالمدينة تتوفر على ضيعات تنتجها، وتبعد عنها بحوالي ستة كلم بمنطقة تسمى ”تاورطة“.
وفي ذات السياق، يقول سفيان ، أن مرد إرتفاع الأسعار في الداخلة، لغياب المسؤول الذي ”لا يراقب ولا يواكب هذا الأمر“، مضيفاً أن ”الدولة تدعم المواد الأساسية ينضاف إليها المحروقات ، لكي توازي الأثمنة، من أجل توفير المواد للمستهلك“.
ويؤكد سفيان ، في حديثه مع ”الساحل بريس“، أن الدولة “تتحمل المسؤولية في تحرير الأسعار بدون قوانين ورقابة ، مكتفية بمراقبة الجودة والسلامة الصحية، دون ضبط للأسعار، حتى أصبح القطاع غابة، تغيب فيها المنافسة، وقد أعطت للتجار سلاحاً يفعلوا به ما أرادوا”.
ويرد سفيان ، إرتفاع ثمن الحليب ، في لؤلؤة الجنوب ، إلى الإحتكار وقلة المنافسة ، مشددا على أن ”غياب المنافسة يلهب الأسعار ، بسبب تحكم شركتين متواجدتين في الجهة ، بقطاع الألبان “ج و س” ، وهذا يقتل المنافسة، ويجهض مشاريع التعاونيات المحلية ، والتعليل بمصاريف النقل لا يستقيم مع الواقع المشاهد والملموس ، مع العلم أن المسافة هي نفسها من أكادير شمالاً مع مدن أخرى، وجنوباً نحو الداخلة، ومناطق الشمال غير مدعمة المحروقات، ومع ذلك فالشركة في المركز، تقول أن الثمن موحد من طنجة إلى لگويرة“.
وأفاد سفيان من جهة أخرى ، بأن مشكل غلاء أسعار الخضروات ، هو افتقار الداخلة لـ”سوق الجملة“، الذي يؤدي إلى الإحتكار ، حيث أكد المتحدث، أن السوق المسمى بسوق الجملة، والذي تم بناؤه منذ سنوات عديدة، بالقرب من الحي الصناعي، يفتقر لمعايير سوق الجملة، بل لا يكاد يكون قيسارية ذات محلات صغيرة ، وعن سبب غياب ”سوق الجملة“، في ثاني أكبر إقليم بالصحراء ، يقول سفيان : أن الصراع الإنتخابي في السنوات الماضية ، بين الموالاة والمعارضة ، في المجالس المنتخبة ، جعل هذا الموضوع ، محلاً لمزايدات سياسوية ، لا تهدف لحلحلةٍ فعليةٍ، عن طريق إحداث سوق جملة، حقيقي بالمعايير التي تتوفر في مثله من الأسواق الوطنية، التي تستجيب لمتطلبات المهنيين ، مع العلم يقول سفيان أنه في الحملات الإنتخابية يتم التطرق لهذا الموضوع بنوع من الإصرار ومن إن تنتهي الإنتخابات وتعين المجالس المنتخبة ، حتى يتبخر حلم إنشاء سوق البيع بالجملة .
وفي الحديث عن فعالية المسؤولين المنتخبين يقول سفيان ، لا يكل المسؤولون هنا، عن ترديد أسطوانة المشاريع والتنمية، لتتخيلها ورشة مفتوحة، صَبْحَ مساءٍ لتصبح ذات مقومات المدن الحديثة ، فالداخلة، مدينة صغيرة تكفي ”الميزانيات المصروفة فيها هدراً، لتبني فوقها مدينة أخرى“، التي تتزين أزقتها وشوارعها بالحفر .
وفي ذات السياق يقول سفيان ، أنه جدير بالذكر، أنه مع عوز المدينة ، لبنية تحتية متينة، ينضاف غياب لأبسط فضاءات الترفيه، اللهم إن كان المواطن، يملك سيارة ويخرج نحو فضاء الطبيعة التي حبى الله بها واد الذهب.
فجل الأحياء ، تفتقر إلى أغلب المؤسسات العمومية، والطرق التي شيدت ، والغير صالحة للمسير ينضاف إلى ذلك إحتلال الملك العمومي في مناطق متفرقة من المدينة وسوق الثلاثاء الذي يعرقل حركة المرور بالأحياء المجاورة وبشارع الميناء ينضاف اليها الأزبال المتناثرة هنا وهناك في مشهد بئيس يجعلك تتأكد أن الداخلة جوهرة في الإعلام وفي الواقع شيئ أخر ..