الداخلة.. هل تفكر مجالسنا في شبابها عبر مساعدتهم في اقتناء سكن لائق؟

هيئة التحرير10 أكتوبر 2025آخر تحديث :
الداخلة.. هل تفكر مجالسنا في شبابها عبر مساعدتهم في اقتناء سكن لائق؟

بقلم: الصغير محمد

في مدينة الداخلة، حيث تتقاطع أمواج الأطلسي مع رياح الأمل، ينهض سؤالٌ مؤرق كظلٍّ لا يغيب: هل تفكر المجالس المنتخبة فعلًا في شبابها؟ أم أن هؤلاء الشباب أصبحوا مجرّد عناوين انتخابية تُستعمل حينًا وتُنسى حينًا آخر؟

الحديث عن السكن اللائق في الداخلة ليس ترفًا فكريًا، بل هو قضية وجودٍ اجتماعي وسياسي. فالشباب في هذه الجهة يعيشون مفارقة قاسية: من جهةٍ، تُقدَّم الداخلة كواجهة تنموية واعدة، ومختبرٍ لمشاريع كبرى في الصيد البحري والسياحة والاستثمار؛ ومن جهة أخرى، يُترك جيلٌ كامل على هامش هذه التنمية، يصارع الغلاء والعزلة والعجز عن اقتناء سكنٍ بسيط يحفظ له كرامته ويؤسس لاستقراره الأسري.

إنّ السكن في جوهره ليس مجرد جدرانٍ وسقفٍ، بل هو شرطٌ للانتماء. فمن لا يملك بيتًا، لا يملك صوتًا ثابتًا في المدينة، ولا حافزًا للاندماج في نسيجها الاجتماعي والاقتصادي. هذه الحقيقة البسيطة تتجاهلها السياسات المحلية حين تضع أولوياتها، فيغيب الشباب من حسابات التخطيط، كما لو أنهم خارج الخريطة.

المشكل لا يكمن فقط في ارتفاع أسعار العقار أو تضارب مصالح اللوبيات العقارية، بل في غياب تصورٍ شامل لدى المجالس الترابية حول معنى “التمكين السكني للشباب”. إذ لا وجود لبرامج واقعية تسهّل ولوجهم إلى السكن اللائق، ولا آليات تمويلية تتيح لهم فرص الاقتناء وفق قدراتهم المادية. وكأنّ الشباب مُطالب بأن يبدأ حياته مثقلًا بالديون أو بالكراء الدائم، في مدينة تُغني المستثمرين وتُفقِر أبناءها.

من جهة أخرى، لا يمكن فصل إشكالية السكن عن السياسات العمومية في التشغيل. فحين يغيب الاستقرار المهني، يصبح التفكير في اقتناء سكن نوعًا من الترف غير الممكن. هنا تتقاطع المسألة الاقتصادية مع البعد السياسي، فغياب مشاريع كبرى لخلق فرص الشغل يعني ضمنيًا تكريس أزمة السكن، لأنّ الشاب العاطل لا يمكنه أن يخطط لمستقبله، بل بالكاد ينجو من حاضره.

تتحمل المجالس المنتخبة اليوم مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية، في إعادة تعريف مفهوم التنمية المحلية. فالتنمية لا تُقاس بعدد المشاريع أو الطرق، بل بعدد الشباب الذين يشعرون أن لهم مكانًا في مدينتهم، وحقًا في الاستقرار والكرامة.
يجب أن يتحول ملف السكن إلى أولوية سياسية بامتياز، تُبنى على شراكات بين الدولة والجماعات والمؤسسات البنكية، مع اعتماد آليات شفافة تضمن استفادة الفئات الشابة لا المضاربين العقاريين.

الداخلة، هذه المدينة التي يُفترض أن تكون رمزًا للأمل في الجنوب المغربي، مطالبة اليوم بأن تُترجم خطابات التنمية إلى واقعٍ ملموس يسكنه الشباب لا المستثمرون فقط. فجيلٌ بلا بيت، هو جيل بلا جذور.
ولعلّ السؤال الذي يجب أن يُطرح على كل مسؤولٍ محلي ليس: كم أنجزنا من مشاريع؟ بل: كم شابًّا استطعنا أن نمنحه بيتًا وسندًا وأفقًا؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة