السياسيون في الداخلة : بين مسرح الفسابكة وحقيقة الكواليس ؟

هيئة التحريرمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
السياسيون في الداخلة : بين مسرح الفسابكة وحقيقة الكواليس ؟

في المدن الصغيرة ذات الحساسية السياسية العالية، مثل الداخلة، لا تُقاس السياسة فقط بما يُعلن، بل أيضًا – وربما أساسًا – بما يُخفى. ما يراه المواطن العادي على “الفيسبوك” من نشاطات السياسيين هو، في نظر علماء السياسة، جزء من “السياسة المسرحية” أو political theatre، حيث تُقدَّم مشاهد محسوبة لجمهور واسع، بينما القرارات الفعلية تُصنع في أماكن مغلقة، بعيدًا عن الأعين.

واجهة السياسة: جمهور الفسابكة والمشهد المصنوع

وفقًا لعالم السياسة الأمريكي موراي إيدلمان، كثير من العمل السياسي العام يهدف إلى “إنتاج رموز تطمئن الجماهير” أكثر مما يهدف إلى حل المشاكل فعليًا… في الداخلة، نجد السياسي ينشر صوره وهو يزور الأحياء أو يشارك في نشاط اجتماعي، أو يكتب تدوينات مؤثرة عن قضايا الناس. هذه الخطوات تبني انطباعًا بالجدية والقرب، لكنها لا تعكس دائمًا موقعه الحقيقي في هرم صناعة القرار.
بالمعنى الأكاديمي، هذه المظاهر تمثل “إدارة الانطباع” (impression management)، حيث يسعى الفاعل السياسي إلى ضبط صورته العامة، خصوصًا أمام جمهور “الفسابكة” الذي يستهلك السياسة بصريًا أكثر مما يستهلكها كمعلومات معمقة.

خلف الأبواب المغلقة: لعبة المصالح والتوازنات

علماء السياسة، من روبرت دال إلى جوزيف شومبيتر، يؤكدون أن السياسة الحقيقية لا تُمارس أمام الحشود، بل في دوائر صغيرة حيث تتقاطع المصالح… في الداخلة، هذه الكواليس قد تكون مكتبًا خاصًا أو لقاءً غير معلن على هامش مناسبة اجتماعية. هناك، يتم تبادل الالتزامات، وبناء التحالفات، وحتى إبرام الصفقات السياسية التي قد تغير ملامح المشهد بين ليلة وضحاها.
المعيار في هذه الدوائر ليس “عدد الإعجابات” على منشور، بل القدرة على التأثير الفعلي في القرارات، والوصول إلى مصادر القوة، وضمان التوازن مع باقي الفاعلين المحليين والجهويين.

الفجوة بين الصورة والحقيقة

الباحث الفرنسي بيير بورديو أشار إلى أن “المجال السياسي” يعيش على مزيج من الرمزي والواقعي؛ الرمزي لتعبئة الجماهير، والواقعي لضبط السلطة… هذه المعادلة حاضرة بقوة في الداخلة: الصورة الافتراضية المشرقة للسياسي على الفيسبوك، مقابل موقعه الفعلي في الكواليس، حيث النقاشات أكثر براغماتية وأقل رومانسية.
كمثال، قد يبدو سياسي ما على المنصات الرقمية وكأنه في خصومة علنية مع فاعل آخر، بينما الواقع أن الاثنين يتفاوضان سرًا على صفقة أو تحالف تكتيكي. هذه الازدواجية لا تعني بالضرورة الخداع، لكنها جزء من طبيعة العمل السياسي حيث الانطباع العام له وظيفة، والمصلحة الفعلية لها منطق آخر.

نحو وعي سياسي أعمق في الداخلة

التحدي أمام المواطن في الداخلة ليس فقط في متابعة الأخبار أو الصور، بل في إدراك أن السياسة لها “طبقتان”: طبقة العلن الموجهة للجماهير، وطبقة الخفاء التي تحرك القرار. هذا الإدراك يتطلب من الجمهور أن يكون أكثر وعيًا بأن ما يظهر على “الفسابكة” ليس إلا الواجهة، وأن قراءة المشهد تستدعي محاولة فهم ما يجري خارج الكاميرا بقدر الاهتمام بما يجري أمامها.
وهنا يطرح السؤال العميق: إذا كانت السياسة الحقيقية تُصنع بعيدًا عن الأعين، فكيف يمكن للمجتمع أن يضمن مساءلة حقيقية للساسة ، دون أن يظل محتجزًا داخل حدود المسرح الافتراضي الذي يصنعه السياسيون أنفسهم ؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة