🟦 في ضيافة “الساحل بريس”
برنامج حواري من إعداد وتقديم : محمد الصغير
في إطار انفتاح “الساحل بريس” على النقاشات العمومية المرتبطة بالسياسات الوطنية، خصوصًا ما يتعلق منها بورش الإصلاح الضريبي، نستضيف الدكتور سيدي حمو، دكتور في العلوم القانونية والمنسق الجهوي لمنتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية لجهتي العيون الساقية الحمراء – الداخلة وادي الذهب، لتسليط الضوء على أبرز التحولات الجبائية التي يعرفها المغرب، ومدى انعكاسها على العدالة الضريبية، تمويل ورش الحماية الاجتماعية، وتبسيط النظام الضريبي.
السؤال 1
محمد الصغير: يشهد المغرب إصلاحات جبائية متواصلة. ما هي أبرز ملامح السياسة الضريبية الجديدة لضمان عدالة أوسع وفعالية أكبر في التحصيل؟
د. سيدي حمو:
من المهم الإشارة أولا إلى أن الزيادات التي ضختها المداخيل الجبائية الإجمالية خلال الثلاث سنوات الأخيرة في خزينة الدولة جاءت نتيجة لإصلاح ضريبي مازال جاريا ومتواصلا والحديث بالتأكيد هنا عن القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي الصادر سنة 2021 الذي يعد أولوية وطنية لكل الفاعلين، وذلك بالنظر لأهمية ودور الضريبة في تمويل السياسات العمومية والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية باعتبارها رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وعاملا مساهما في تقليص الفوارق المجالية.
وفي هذا الإطار تعتبر العدالة الجبائية وفعالية التحصيل من أولويات السياسة الضريبية الجديدة، كما هو واضح من الأهداف المسطرة للإصلاح الجبائي، حيث نصت المادة الثالثة من القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي على أن الدولة تسهر على:
تعزيز مساهمة جبايات الدولة والجماعات الترابية في تمويل مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛
تخفيف العبء الجبائي على الخاضعين للضريبة موازاة مع توسيع الوعاء الضريبي؛
تكريس مبدأ حيادية الضريبة خاصة فيما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة؛
التطبيق التدريجي لمبدأ فرض الضريبة على الدخل الإجمالي للأشخاص الذاتيين؛
ترشيد التحفيزات الجبائية بالنظر لأثرها الاجتماعي والاقتصادي؛
إدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد المهيكل أو المنظم؛
تعزيز آليات محاربة الغش والتهرب الضريبيين.
السؤال 2
محمد الصغير: كيف تساهم المنظومة الجبائية الحالية في دعم تمويل السياسات الاجتماعية الكبرى، خصوصًا ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة؟
د. سيدي حمو:
إن وجود إرادة فعلية نحو إرساء نظام ضريبي منتظم وقار بدون شك سيتيح هوامش مالية مُريحة للحكومة لتمويل ورش الحماية الاجتماعية تنفيذا للتعليمات الملكية السامية. وعليه قامت الحكومة عن طريق قوانين المالية بمواصلة تعبئة التمويلات اللازمة، حيث تطلب تنزيل هذا الورش تخصيص 10 ملايير درهم سنويا لتعميم التأمين الإجباري عن المرض، بالإضافة إلى ميزانية قدرها 25 مليار درهم في السنة الماضية، والتي سترتفع سنة 2026 إلى 29 مليار درهم لتنفيذ برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لفائدة الأسر في وضعية هشاشة.
وفي هذا الإطار، وخلال السنة المقبلة، ستتم تعبئة عدة مصادر للتمويل كالتالي:
20 مليار درهم على مدى ثلاث سنوات من الموارد الخاصة للدولة؛
6 ملايير درهم من الموارد الجبائية المتعلقة بالمساهمة التضامنية؛
9 ملايير درهم من فائض صندوق التماسك الاجتماعي لسنة 2024؛
15 مليار درهم من خلال إعادة توزيع الاعتمادات المالية المخصصة لبعض البرامج والخدمات الاجتماعية القديمة، مثل “تيسير” و”مليون محفظة” و”دعم” وغيرها من البرامج؛
موارد المساهمة الإبرائية المتعلقة بالأموال والممتلكات في الخارج.
وأخيرا لا بد من التأكيد على أن ورش الحماية الاجتماعية يستدعي احترام وتقيّد الجهات الوصية بما وضعته في أجندة التمويل من تخطيط واضح حسب كل سنة، كما يجب على الدولة أن تساهم عن طريق موارد مالية لتضمن استدامة التمويل والميزانية بالرغم من إكراهات العجز والمديونية التي مازالت مطروحة.
السؤال 3
محمد الصغير: يشكو عدد من الفاعلين الاقتصاديين من تعقيد النظام الضريبي وتعدد الضرائب. هل هناك توجه نحو تبسيط الضريبة وتوسيع الوعاء الضريبي بشكل منصف؟
د. سيدي حمو:
بالطبع هناك مثل هكذا توجه وقد مر معنا في معرض الحديث عن ملامح السياسة الضريبية الجديدة أن من أساسيات الإصلاح الجبائي المنشود والمؤطر بالقانون رقم 69.19 تخفيف العبء الجبائي على الخاضعين للضريبة إلى جانب توسيع الوعاء الضريبي عن طريق توسيع قاعدة الملزمين أو المكلفين بأداء الضريبة، مما سينجم عنه تقليص حجم الأعباء الضريبية عن الملزمين وحافزا لهم على الوفاء بديونهم الضريبية تماشيا مع إرساء عدالة ضريبية ووضع نظام ضريبي مستقر ومبسط وشفاف.
السؤال 4
محمد الصغير: ما مدى نجاح الإدارة الضريبية في محاربة التهرب الضريبي والاقتصاد غير المهيكل؟ وما هي أبرز التحديات في هذا المجال؟
د. سيدي حمو:
مما لا شك فيه أن محاربة التهرب الضريبي وإدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد المنظم يعتبر تحديا حقيقيا للإدارة الضريبية ومقياسا لتقييم مدى كفاءة أو نجاح أي إصلاح جبائي. لهذه الغاية فإن إدماج القطاع غير المهيكل ومحاربة التهرب الضريبي يتم عبر إجراءات منها:
ملاءمة وتحسين نظامي “المساهمة المهنية الموحدة” و”المقاول الذاتي” المطبقة على أنشطة القرب قصد إرساء نظام ضريبي مبسط يسمح بتسريع إدماج القطاع غير المهيكل؛
مواكبة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة من خلال تسوية الوضعية الجبائية للمقاولات غير النشيطة أو التي لم تحقق أي رقم معاملات؛
مراجعة مسطرة فحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين؛
تدعيم ضمانات وحقوق الملزمين وتعزيز مهام لجان النظر في الطعون المتعلقة بالضريبة وضمان استقلاليتها؛
تعزيز التعاون فيما يتعلق بتبادل المعلومات بين الإدارة الجبائية وباقي الإدارات والهيئات العمومية.
السؤال 5
محمد الصغير: في ظل التحول الرقمي الذي تعرفه الإدارة المغربية، إلى أي حد استطاعت الرقمنة أن ترفع من نجاعة الأداء الضريبي وتعزيز ثقة المواطنين في المنظومة؟
د. سيدي حمو:
تندرج هذه الآلية ضمن برنامج تحديث الإدارة الجبائية من أجل بناء الثقة مع الملزم وتشجيع الامتثال الضريبي وتحسين جودة المعطيات من خلال:
التحديث الآلي لسجل الخاضعين للضريبة؛
تنويع وسائل تبليغ الملزمين باستخدام البريد الإلكتروني، المكالمات الهاتفية، الرسائل النصية القصيرة…؛
تعزيز قنوات توسيع القاعدة الضريبية عن طريق الوسائل المؤسساتية؛
تحسين منظومة الأمن القانوني الوقائي من خلال الاستشارات الضريبية المسبقة؛
تأمين الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والامتثال الضريبي الطوعي.
ومن تم، فإن مواصلة الرقمنة وتطوير النظام المعلوماتي يبقى مطلبا ملحا ومتجددا في سبيل توطيد علاقة الثقة ومواكبة متطلبات الابتكار والاستفادة من وظائف الذكاء الاصطناعي.
السؤال 6
محمد الصغير: كلمة أخيرة
د. سيدي حمو:
في ختام هذا اللقاء، أود أن أؤكد أن الورش الضريبي بالمغرب ليس مجرد إصلاح تقني أو تشريعي، بل هو مسار وطني استراتيجي يعكس الإرادة الجماعية لبناء منظومة جبائية عادلة، ناجعة وشفافة، تُسهم في تمويل التنمية وتحقيق التماسك الاجتماعي.
ولا يفوتني أن أشكر طاقم “الساحل بريس” على هذه الاستضافة وعلى مجهوداته المواكِبة لقضايا السياسات العمومية، بما يعزز ثقافة الحوار والمواطنة الفاعلة.
📌 إعداد وتقديم: محمد الصغير
📍 نشر حصري عبر جريدة “الساحل بريس”