*قـراءة في القـانون 07.00 المنـظم لإحداث الأكاديميـات الجهـوية للتربيـة والتكويـن*
*إن تفحصا دقيقا لمواد القانون 07.00، المنظِّم لإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، من خلال تحديد مهامها واختصاصاتها وإدارتها وتسييرها، يكشف عن مجموعة من المعطيات التي تفصح عن ضبابية في بعض هذه المواد وتعدد قراءاتها، ومن شأن ذلك أن يدفعنا إلى القول بقصدية هذا التعتيم الدلالي، إذا ما علمنا بأن المفروض في اللغة القانونية أن تكون لغة مباشرة تنأى عن تعدد الدلالات ضمانا لإحقاق الدلالة المباشرة لهذه القاعدة، واحترازا من تعدد الأفهام المنوطة بها، مما يصيّرها قاعدة توظف لغايات متعددة ومتباينة، وقد تكون، في بعض الأحيان متناقضة.*
*ومن هذا المنطلق، تروم قراءتنا في هذا القانون البحث في مشروعية التوظيف الجهوي التابع للأكاديميات، واستقصاء بعض المواد التي تشرِّع لتعدد التأويلات، سعيا منا إلى ربط ذلك بممكن من ممكنات هذه التأويلات واحتمالاتها المتعددة، يتعلق الأمر بما بات يعرف بخصخصة التعليم العمومي. وعلى هذا الأساس، نطرح السؤال الآتي: هل يشرعن هذا القانون للتعاقد مع هيئات التدريس بوصفه توظيفا جهويا؟ وما علاقة مواده بخصخصة التعليم العمومي؟*
*تصرّح أولى مواد القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات في بابه الأول بأن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين “تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي”،([1]) وهذا معناه أن من حق هذه المؤسسات إنشاء حساب بنكي مستقل عن خزينة الدولة والبحث عن موارد مالية بعيدا عن وزارة المالية، وذلك لأجل تحقيق الاستقلال المالي الذي يمكّن الأكاديميات من الاستغناء، ولو جزئيا، عن الاعتمادات المالية المركزية، امتثالا لما تنشده الجهوية الموسعة من ضرورة الانتقال من المركزية والتمركز إلى اللامركزية واللاتمركز.*
*إن إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين يجعلنا نتساءل عن طبيعة مهامها واختصاصاتها، وغير خاف عن كل متتبع أن هذه المؤسسات تضطلع بكل الإجراءات المتعلقة بالمنظومة التعليمية بالمغرب، وتدبير مواردها ومؤسساتها، وتوفير كل المعينات والوسائل الضرورية لضمان السيرورة العادية لمنظومة التربية والتعليم بأسلاكها الثلاثة:* *الابتدائي، والثانوي الإعدادي، والثانوي التأهيلي. إلا أن الملاحظ في السنوات الأربع الأخيرة، أن الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم تخلّت عن دورها في توظيف الأطر التربوية، وعهدت بهذه المهمة إلى الأكاديميات، وذلك في سياق عقد عمل بين الموظّف والأكاديمية، في ما سمي لاحقا بالتوظيف الجهوي. فما مدى مشروعية هذا التوظيف بناء على القانون 07.00 المؤطر لمهام هذه المؤسسات واختصاصاتها؟*
*تجيبنا المادة الثانية من هذا القانون عن سؤالنا السابق بما مفاده أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تختص بتدبير الموارد البشرية كما هو مفوّض لها من لدن السلطة الحكومية المختصة، والهوّةُ بين التدبير والتوظيف شاسعة جدا، ولا يمكن أن يعني تدبير الموارد البشرية، بما في ذلك الأطر التربوية التي تضطلع بمهمة التدريس، توظيفها بأي حال من الأحوال، فالتدبير غير التوظيف، وهو يشمل التعيينات والتكاليف وعمليات الإلحاق والإيداع والاستيداع وغيرها من العمليات المتعلقة بالموارد البشرية أطرا تربوية أو إدارية أو تفتيشية.*
*وفي هذا المنحى، تفصح المادة الحادية عشرة من الباب الثاني للقانون 07.00 عن هيئة المستخدمين الخاصة بكل أكاديمية، مبرزة أن هذه المؤسسة “تتكون من أعوان يتم توظيفهم طبقا لنظام أساسي خاص يحدد بمرسوم”.([2]) الشيء الذي يجرِّد هذا المستخدم من صفة الموظف العمومي، ويكسبه صفة العون المستخدم لدى المؤسسة العمومية، والشرط الضروري لتوظيف هؤلاء المستخدمين أن يكون النظام الأساسي الخاص بهم محددا بموجب مرسوم. وتؤكد المادة نفسها أن الحالة الوحيدة التي يعتبر فيها هؤلاء المستخدمين موظفين عموميين هي وضعية الإلحاق([3])، والتي يتم إلحاقهم، بموجبها، إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مع احتفاظهم بمناصبهم المالية التابعة للقطاع الذي ينتمون إليه.*
*يبعث هذا القول، إذن، على التشكيك في المرجعية القانونية لما يسمى بالتوظيف الجهوي مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ما دامت هذه المؤسسات لا تختص بتوظيف الهيئة التربوية أو الإدارية أو غيرها باعتبارها منتمية إلى الوظيفة العمومية، وإنما بوصفها مجموعة من الأعوان، كما أن النظام الأساسي لموظفي الأكاديميات غير محدد بمرسوم، ما يجعل سنده القانوني هشًّا وضعيفا غير قائم على أسس قانونية صلبة، وتقاس عليه وضعية هؤلاء الأساتذة الذين يخضعون لمواده.*
*بناء على ما سبق، ولمّا كانت هذه الوضعية الهشة هي السمة المميزة للأساتذة أطر الأكاديميات، نتساءل عن الآلية المعتمدة في دفع أجور هؤلاء المستخدمين؟*
*لقد سبق وأوضحنا بأن الأكاديميات مؤسسات عمومية ذات شخصية معنوية تتمتع بالحق في الاستقلال الذاتي عن خزينة الدولة، إلا أنها وبالرغم من كل ذلك، تبقى معتمدة في مواردها المالية، بحسب المادة التاسعة من القانون الذي ينظِّمها على الاعتمادات المالية التي توّفرها الدولة، بالإضافة إلى الإعانات والمساهمات في إطار الشراكات التي تنجزها مع الجماعات المحلية وهيئات أخرى([4]).*
*فضلا عما سبق ذكره، تنص المادة التاسعة من القانون 07.00، صراحة، أن الأكا
ديميات تعتمد في مواردها المالية على “الهبات والوصايا والمداخيل المتنوعة، وعلى مداخيل الخدمات التي تقدمها والمرتبطة بنشاطها، وكل الموارد الأخرى التي يمكن أن تُمنح لها لاحقا بموجب أحكام تشريعية أو تنظيمية”.([5]) وهنا مربط الفرس، إذ بناء على هذه المادة تجد تساؤلاتنا الآتية* *مشروعيتها: ما المقصود بالمداخيل المتنوعة للأكاديميات؟ وما المراد بمداخيل الخدمات التي تقدمها؟ وهل يدخل التعليم من ضمنها؟*
*نتلمس في ضوء ما تقضي به هذه المادة إشارات واضحة عن آفاق التعليم العمومي الذي سيؤول إلى الخصخصة، بحسب قراءتنا وفهمنا لمعطيات هذه المادة، سواء أكانت خصخصة جزئية أم كلية، إذ من المحتمل أن يكون المقصود بالمداخيل المتنوعة، في ظل التباس هذا المعطى، بيع التعليم بوصفه خدمة من الخدمات التي تقدِّمها الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتسهر على تدبيرها ورعايتها، كما أن القول بأن إيرادات هذه المؤسسات المالية قد تعتمد، لاحقا، على ما يمكن أن يُمنح لها بموجب أحكام تشريعية أو تنظيمية، يؤكد التوجهَ الذي ذهبنا إليه. وعليه، لا يمكن التنبؤ بمستقبل التعليم العمومي، إذ من المحتمل أن يتم التشريع لبيع هذه الخدمة بموجب نص قانوني مستقبلا، وذلك في إطار استقلالية الأكاديميات المالية، وهذا احتمال لا يمكن نفيه، بل إن المعطيات التي تثبته أقوى حجة من التي يمكن أن تنفيه. وعلى هذا الأساس، فإن بيع الخدمة يبقى خيارا مطروحا لأجل توفير السيولة المالية التي ستشكل مصدر أجرة أعوان الأكاديمية ومن ضمنهم أطرها الخاضعون للنظام الأساسي لأطر الأكاديميات.*
*استنادا إلى ما سبق، وعلى هدى من قراءتنا لمضامين القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، حاولت هذه القراءة أن تجيب عن متوالية من الأسئلة التي تخصّ الوضعية القانونية لأطر الأكاديميات، وعلاقة هذه المؤسسات العمومية بخصخصة التعليم، كما رامت البحث عن المبررات القانونية الموضوعية التي تنطوي على الإجابة الصريحة أو الضمنية عن هذه الأسئلة. وتأسيسا على ذلك، توصلت إلى عدد من النتائج نجملها في ما يأتي:*
*إن توظيف هيئة التدريس وحدها دون غيرها من الهيئات وفق هذا النمط المسمى بالتوظيف الجهوي أمر غير بريئ، وينطوي على الكثير من المعطيات الملتبسة، إذ إن هذه المهمة ليست من اختصاص الأكاديميات بموجب القانون الذي يؤطر مهامها واختصاصاتها. وعلى هذا، فإن هذه التسمية مجرد التفاف على الصيغة القانونية لهذه الفئة التي تعيش في وضع ملتبس غير واضح المعالم، فلا هم بموظفين عموميين، ولاهم بأعوان للأكاديميات، على اعتبار أن ليس هناك أي مرسوم يؤطر نظامهم الأساسي الخاص، ولا هم بموظفين أو أعوان ملحقين من قطاعات أخرى.*
*تظل الأكاديميات، مهما ادّعت من استقلالية وجهوية، تابعة للمركز عبر السلطة الحكومية الوصية، ممثلة في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ما يؤكد أن استقلال هذه المؤسسات لا يعدو أن يكون استقلالا شكليا في أساسه، أو أنه استقلال منشود يبقى مرجأ التحقق إلى حين نضج شروطه الموضوعية لإرساء جهوية موسعة حقيقية.*
*يفصح هذا النوع من التوظيف عن قراءة لما يمكن تسميته بالمضمر فيه، ذلك أن الغاية منه أن تتخلص الوزارة الوصية من العبء المادي للأساتذة الذين من المفترض أن يكونوا تابعين لها، وبخاصة إذا ما علمنا أن الأكاديميات نفسها غير مستقلة تماما عن وزارة التربية الوطنية، وترتهن في جزء كبير من اعتماداتها المالية على الإمدادات والمخصصات من ميزانية الدولة([6]).*
*- إن قراءة فاحصة للمادة التاسعة من هذا القانون تفيد بأنها تقر، صراحة، ببيع خدمات الأكاديمية لأجل تحقيق الاكتفاء المالي الذي يُبلغ إلى استقلالية المؤسسة ماديا، والتعليم العمومي خدمة من هذه الخدمات، كما أن هذه المادة تخضع، في الكثير من جوانبها، لتعدد القراءات، مما يؤكد إمكان اللجوء إليها لأجل شرعنة خصخصة التعليم العمومي مستقبلا وتبريره وفق سند قانوني.*
([1]) المادة 1 من القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما ورد بالجريدة الرسمية، عدد 4798، 21 صفر 1421، الموافق ل: 25 ماي 2000.
[2]) المادة 11 من القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مرجع سابق.
([3]) نفسه.
([4]) المادة 9 من القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مرجع سابق.
([5]) المادة 9 من القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مرجع سابق.
([6]) المادة 9 من القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مرجع سابق.
(مقال مقتطف من موقع taalim.com، تم نقله بصيغته الأصلية للاطلاع).