بقلم : أحمدو بنمبا
التبرع هو هدية مقدمة من أفراد أو جهات على شكل مساعدة إنسانية لأغراض خيرية، ويمكن للتبرع أن يكون نقدياً على شكل صدقات، أو خدماتيا من نوع التعليم والتدريب والعمل التطوعي، أو عينياً بما في ذلك الطعام والملابس والألعاب وغيرها… إلخ.
والتبرع نوع من أنواع الإحسان وفعل من أفعال الخير ويعد من أفضل الفضائل، ويدعو إليه الكثير من الناس من منطلق ديني و/ أو إنساني ، وللتبرع ثقافة ، وفي كل التعريفات والتوصيفات، تعتبر ثقافة التبرع دليلا على نضج المجتمع المدني الذي هو المسؤول الأول (بعد الإعلام والتعليم والتربية العائلية) عن ترسيخ الوعي للمساعدة والتبرع للمحتاج، ومن ثم المساهمة في بناء وطن متكافل ينعم بعدالة اجتماعية مشتركة.
لقد حاولت الأديان السماوية جاهدة نشر ثقافة التبرع مشجعة ومعززة لكل أنواع البر والصدقة والإنفاق التي تدعم صور التكافل الإجتماعي والتكاتف والتضامن بين كل فئات المجتمع ، الغنية والفقيرة ، سعيا لجعل المجتمع إطارا متجانسا تتوافق كل شرائحه على إعماره، فالمال، ابتداء وفي كل الأديان، هو رزق الله ، قسمه للغني ونهاه عن الإسراف والتبذير فيه ، لما للتبذير من نشر للسلوكيات الخاطئة وإفساد للذائقة الإنسانية وبذرة تفريق بين طبقات المجتمع .
وفي ذات السياق، معروف أن الديانات السماوية رهبّت من كنز المال وشح الأنفس إذ قال تعالى: «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم»، فهذا المال هو مستبقى ومودع عند الغني ليقضي حوائجه به دون أن ينسى الفقير ، والذي من خلاله يزكي ويطهر نفسه وماله بما يؤدي منه، فيقول تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».
ومع أن تاريخنا العربي يشهد على مجلدات زاخرة وحافلة بالتبرع والعطاء، وعلى الرغم من أن «ثقافة التبرع» باتت ضرورة ملحة في هذا العصر الذي يشهد أفول الدولة الريعية وارتفاع التكاليف والكلف (وهو ما لا تستطيع الدولة وحدها تغطية احتياجاته) إلا أن واقعنا الحالي يفتقد بشدة لهذه الثقافة لأنها – مع الأسف الشديد–انحسرت ولم تتأصل في مجتمعنا على النحو المنشود كما حصل في غيرها من المجتمعات الأخرى ، التي باتت مترسخة لديها كثقافة مغايرة ، ونحن عادة ما نسمع بين الحين والآخر، عن غربي قدم بلايينه أو ملايينه لبلده أو لصالح الإنسانية، مثل بيل غيتس وزوجته ميلندا، ووارن بافيت الذي منح جزءا كبيرا من ثروته (30 مليار دولار) إلى مؤسستهما الخيرية التي تحمل اسميهما ، للمساعدة في مواجهة عدم المساواة في العالم ، وكان بافيت متواضعا جدا، ولم يصر على اظهار اسمه معهما، ولم يعط أية توجيهات بشأن تبرعاته، قائلا: «أنا جيد في جمع المال وليس في توزيعه، هذا دوركم»، وهو الذي أعلن أيضا أنه سيتبرع بـ 99% من ثروته عند وفاته للأعمال الخيرية وغيرها.
أما في مجتمعنا فيبدو ، وباستثناء من يلتزم بأداء الزكاة أصوليا، أن ضعف روح المبادرة (التبرع) أدى إلى قلة أعداد وتنوع المؤسسات الخيرية وضعف فعالياتها، فالتبرعات لدينا ما زالت موسمية وترتبط بالمبادرات الدينية والوطنية أو الدولية والأيام العالمية المخصصة لبعض الحاجات الاجتماعيةالملحة، وغالبا ما تعاني من ضبابية في الرؤية وفقدان بل توهان لبوصلتها !!