شاشا بدر
يُعد قطاع الصيد البحري من أهم الركائز الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، حيث يسهم في توفير فرص العمل، تعزيز الأمن الغذائي، ودعم الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، فإن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة تتطلب تنظيمًا دقيقًا ورقمنة شاملة لضمان استدامته وتحقيق أعلى مستويات الكفاءة والشفافية.يمتد الصيد البحري في المغرب على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، مما يضعه في موقع استراتيجي يجعله من أكبر المصدرين للأسماك في العالم. إلا أن غياب التنظيم الكامل في بعض الجوانب مثل مراقبة نشاط الصيد، تحديد الأسعار، وضمان تتبع المنتج من لحظة صيده إلى وصوله إلى المستهلك يمثل عقبة أمام تحقيق أقصى استفادة من هذا القطاع.
رقمنة القطاع تمثل حلاً حيوياً لتنظيمه، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تُحدث نقلة نوعية في طريقة إدارة جميع مراحل سلسلة القيمة. يمكن للرقمنة أن تبدأ من لحظة تسجيل قوارب الصيد وإصدار التراخيص الإلكترونية، مما يسهم في مكافحة الصيد غير القانوني وتعزيز الشفافية في تحديد الحصص المسموح بها لكل نوع من أنواع الأسماك.في مرحلة الصيد، يمكن استخدام أنظمة المراقبة بالأقمار الصناعية لتتبع مواقع قوارب الصيد وضمان التزامها بالمناطق المحددة للصيد، بما يحافظ على المخزون البحري ويمنع الإفراط في استغلال الموارد. كما يمكن إدخال تطبيقات رقمية لتسجيل معلومات عن نوع السمك المصيد، وزنه، وتوقيته، مما يتيح تتبعاً دقيقاً للمنتجات البحرية.عند وصول الأسماك إلى الموانئ، يمكن استخدام تقنيات الترميز الرقمي (QR Codes) التي تتضمن جميع المعلومات عن المنتج، من نوع السمك ومصدره إلى توقيت صيده، مما يُعزز الثقة لدى المستهلك النهائي. كما يمكن رقمنة نظام المزادات لضمان الشفافية في تحديد الأسعار، حيث يُمكن للمشترين الوصول إلى المعلومات بشكل فوري ودقيق.
الرقمنة لا تقتصر على إدارة عمليات الصيد فقط، بل يمكن أن تمتد إلى المراحل النهائية من سلسلة القيمة. تطبيق حلول رقمية على مستوى التوزيع والتخزين يضمن الحفاظ على جودة المنتجات ووصولها بشكل آمن إلى المستهلك. يمكن أيضًا إنشاء منصات إلكترونية تجمع بين الصيادين، التجار، والمستهلكين، بحيث يتمكن المستهلك من معرفة السعر مباشرة من مصدره الأول دون تدخل الوسطاء الذين قد يرفعون الأسعار بشكل غير عادل.تنظيم قطاع الصيد البحري ورقمنته لا يقتصر فقط على تعزيز الكفاءة والشفافية، بل يسهم أيضًا في تحقيق الاستدامة البيئية من خلال تقليل التلوث الناتج عن أنشطة الصيد وتقليل الفاقد في سلسلة الإمداد. هذا التنظيم يعزز مكانة المغرب كأحد أبرز اللاعبين في سوق الصيد البحري العالمي ويضمن استمرارية هذا القطاع كمصدر رئيسي للنمو الاقتصادي.
لتحقيق هذا الهدف، يجب وضع استراتيجية وطنية شاملة تعتمد على الاستثمار في التكنولوجيا، تعزيز القدرات البشرية من خلال التكوين، وإشراك جميع الأطراف المعنية في صياغة السياسات وتنفيذها. الرقمنة ليست مجرد خيار إضافي، بل هي ضرورة لا غنى عنها لضمان استدامة قطاع الصيد البحري في المغرب وتحقيق العدالة بين جميع الفاعلين فيه، من الصياد إلى المستهلك.