البحث الجنائي أحد مداخل المحاكمة الجنائية العادلة

هيئة التحرير12 يوليو 2023آخر تحديث :
البحث الجنائي أحد مداخل المحاكمة الجنائية العادلة

قال الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، الأربعاء بطنجة، إن العدالة الجنائية تعد من الأسس التي تحقق الأمن المجتمعي من خلال ملاحقة مرتكبي الأفعال الإجرامية والبحث معهم ، وصولا إلى إصدار حكم يحقق الردع الخاص والعام ويمكن من جبر الأضرار التي تطال الضحايا والمجتمع.

وأضاف الداكي، في افتتاح سلسلة دورات تكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين على النيابات العامة وقضاة التحقيق ومسؤولي الشرطة القضائية حول موضوع: العدالة الجنائية وآليات تجويدها، أن نجاح العدالة الجنائية يمر لزاما عبر تحسيس الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون ، وباقي مساعدي العدالة بدورهم الإيجابي الذي ينبغي أن يضطلعوا به باعتبارهم فاعلين أساسيين فيها.

و أبرز الداكي أن البحث الجنائي من ضمن الآليات القانونية التي تؤثر في العدالة الجنائية إيجابا أو سلبا، وأحد مداخل المحاكمة الجنائية العادلة التي تعد من المبادئ السامية التي أقرتها أهم المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، وتبناها الدستور المراجع لسنة 2011 وقانون المسطرة الجنائية من خلال المحاضر التي تنجز بشأنه تبعا لشكاية المتضررين من الفعل الجرمي و هو ما يلقي على عاتق المكلف بالبحث الجنائي التزامات تفرض عليه التمتع بالموضوعية والحياد، والحرص على حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم تكريسا لحق تيسير الولوج إلى العدالة، ومراعاة كافة الضمانات القانونية المخولة للمشتبه فيهم.

وقال الداكي، إن احترام الإجراءات أعلاه إلى جانب كونها التزاما قانونيا صرفا، فإن خرقها يعد مدخلا لتقديم مجموعة من الدفوع الشكلية من طرف هيئة الدفاع أمام المحكمة المعروضة عليها القضية، والتي قد تقضي ببطلان المحاضر أو الإجراء المعيب مما يضعف المحضر كوسيلة للإثبات.

وأوضح الداكي أن كل ما سبق بيانه يبرز بشكل واضح أهمية البحث الجنائي في إذكاء المقومات الأساسية للعدالة الجنائية، باعتباره من بين المؤشرات التي يَرْكَنْ إليها كل متتبع لها بما في ذلك الدفاع وأطراف الخصومة لتقييمها.

وهذا ما يتطلب منا جميعاً تشخيص واقع إنجاز الأبحاث الجنائية، من خلال القيام بدراسة دقيقة له، من أجل رصد المكتسبات والممارسات الجيدة وتثمينها، والوقوف على الصعوبات والمعيقات والبحث عن الطرق المثلى لمعالجتها، انطلاقا من التجارب المهنية التي راكمتموها كأجهزة مكلفة بإنفاذ القانون، بحسب الداكي.

وتعد الأبحاث الجنائية، وفق المتحدث نفسه، أحد المرتكزات التي تنبني عليها المحاكمة الجنائية العادلة، لا سيما في الجنح وذلك انطلاقا من الحجية التي أضفاها المشرع المغربي عليها في هذا الإطار بموجب المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية، مما يجعل الباحث ملزما بإجراء البحث والتحري بشكل مهني واحترافي وبمصداقية تامة وحياد عن كل المؤثرات، وأن يأخذ مسافة بينه وبين الأطراف المتنازعة.

ومن جهة أخرى، وأمام اعتماد أساليب جديدة في ارتكاب الجريمة، وظهور أشكال مستحدثة من الجرائم بسبب التقدم التكنولوجي والتقني الهائل الذي عرفه العالم، أصبح لزاماً على الأشخاص المكلفين بالأبحاث الجنائية وكذا المشرفين على سيرها مواكبة هذا التطور من خلال تحسين مهاراتهم وقدراتهم في مجال الأدلة العلمية و الرقمية والخبرات التقنية وكيفية أخذ العينات من مسرح الجريمة حفاظا على آثارها، وذلك بالنظر لأهمية ذلك في فك شفرة الجرائم المعقدة التي ترتكب باستعمال وسائل تقنية وعلمية يصعب الكشف عنها بواسطة طرق الإثبات التقليدية.

وفي هذا الإطار، ذكر الداكي، أن القضاء المغربي أصبح يعتمد في العديد من أحكامه على الدليل العلمي لإثبات بعض الجرائم التي قيدها القانون بشكليات معينة كما هو الحال بالنسبة لجريمة الخيانة الزوجية التي اشترط القانون لإثباتها إما حالة التلبس أو الاعتراف، حيث ذهب في هذا الإطار إلى السماح بإثباتها بمقتضى التسجيلات المثبتة بالكاميرات، كما اعتمد أيضا الخبرة الجينية كوسيلة لإثبات جرائم أخرى كجرائم العرض.

وأردف الداكي أن هذه الأمثلة وغيرها دليل على الأهمية القصوى التي بات يشكلها الدليل العلمي في مجال الأبحاث الجنائية، وهذا ما يقتضي من أجهزة إنفاذ القانون مواكبة التطور التكنولوجي والرقمي ومهارة توظيفه في مجال محاربة الجريمة.

وأكد الداكي إن الرفع من جودة الأبحاث الجنائية وتحديث آليات وأساليب اشتغالها وتأهيل المكلفين بإنجازها، لا يمكن أن يسهم في النهوض بالعدالة الجنائية ببلادنا ما لم يتعزز بإذكاء ثقة أفراد المجتمع فيها بما في ذلك أطراف الخصومة الجنائية.

وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتحلي كافة الأجهزة المتدخلة في إنتاج العدالة الجنائية بقيم المروءة والنزاهة والأخلاق المهنية.

وذلك تكريسا لمبدأ تخليق الحياة العامة الذي يعد من التوجهات الملكية السامية التي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليها في خطبه السامية.

و يظل التشبع بمبادئ النزاهة والشرف وبباقي القيم الأخلاقية من بين المداخل الأساسية للرفع من منسوب ثقة المتقاضين وتحقيق رضاهم على العدالة، وضمانة من ضمانات تحقيق شروط المحاكمة العادلة، كما أن تعزيز القيم الأخلاقية في الممارسة المهنية يبقى من بين المتطلبات الأساسية لتنزيل خلاصات تقرير النموذج التنموي الجديد بهذا الخصوص، وذلك حتى “تتبوأ عدالتنا المكانة التي تستحقها وتكون في مستوى ما يتطلع إليه الملك محمد السادس”.

وأكد الداكي، في هذا الإطار على أن تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين المسؤولين عن النيابات العامة وعن مصالح الشرطة القضائية بشكل وثيق ومتواصل وصريح هو الكفيل الأساسي بتفعيل مبادئ هذه القيم والأخلاقيات المهنية سواء من خلال عقد لقاءات تواصلية أو دراسية محلية أو جهوية أو من خلال اعتماد مقاربة تشاركية لمواجهة بوادر كل انحراف أو إخلال قد تبدو معالمه أحياناً.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة