في أقصى جنوب المملكة، وتحديدًا على ضفاف الأطلسي، تنهض مدينة الداخلة من سباتها التنموي، متحررة من سنوات التهميش، وراسية بثقة على مسار التحديث والتأهيل الحضري. ويعود الفضل الكبير في هذا التحول إلى دينامية والي جهة الداخلة وادي الذهب، علي خليل، الذي جعل من أوراش التهيئة الحضرية (chantiers d’aménagement urbain) قاعدة انطلاق لنهضة شاملة تمس البنية والمظهر والعمق الاجتماعي للمدينة.
منذ تعيينه على رأس الولاية، أطلق علي خليل رؤية واضحة المعالم تقوم على إعادة الاعتبار للمجال الحضري للداخلة، ليس فقط عبر إصلاح ما هو قائم، بل بإعادة التفكير في علاقة المواطن بالفضاء العام. هكذا انطلقت مشاريع التأهيل الحضري (réhabilitation urbaine) لإعادة هيكلة الأحياء ناقصة التجهيز، ومعالجة الفوارق المجالية داخل النسيج العمراني للمدينة.
شوارع وأزقة كانت بالأمس غير معبّدة، تحوّلت اليوم إلى شبكة طرق حديثة، مزودة بالإنارة العمومية (éclairage public) والصرف الصحي (réseaux d’assainissement). كما شهدت الداخلة توسعة مهمة في محاورها الطرقية (voieries et axes routiers) ضمن رؤية متكاملة لتحسين التنقل داخل المجال الحضري.
في هذا السياق، يُعد مشروع الميناء الأطلسي الجديد واحدًا من الأوراش الكبرى التي أعادت تشكيل منظور التهيئة في المدينة. فبفضل ما يطرحه هذا المشروع من إمكانات اقتصادية وجيواستراتيجية، بدأت تتجه الأنظار نحو المناطق المجاورة له، خصوصًا منطقة الكارونت، التي ما تزال في وضعية عقارية غير مهيكلة (terrains non aménagés)، لكنها مرشحة لتصبح محورًا جديدًا للتوسع العمراني والصناعي مستقبلاً، ضمن رؤية تعتمد على استباق الحاجيات وتحقيق التوازن بين المركز والهامش.
وفي سياق التنمية المرتبطة بالمجال، تُسجَّل دينامية جديدة في ما يخص المشاريع الاستثمارية الكبرى، حيث يتم تشييد معظمها خارج المدار الحضري التقليدي للداخلة، ما يُبشّر بتوسّع عمراني أفقي تتّجه بوصلته نحو مناطق مثل الكارونت. هذه الأخيرة، وإن كانت لا تزال أرضًا غير مهيأة، إلا أن المؤشرات تُظهر أنها ستشكل مستقبلًا امتدادًا حضريًا طبيعيًا للمدينة، ما يجعلها ضمن نطاق التهيئة المرتقبة في المرحلة المقبلة.
في موازاة ذلك، ركّزت التهيئة العمرانية (aménagement urbain) على تهيئة المساحات العمومية (espaces publics) من ساحات وأرصفة، في احترام لمبادئ التخطيط الحضري المستدام (urbanisme durable). كما تم إعطاء دفعة قوية لقطاع الصحة، من خلال إنشاء مؤسسات صحية جديدة (création d’établissements de santé) تهم تأهيل العرض الصحي بالمدينة، وتحسين ولوج الساكنة إلى العلاجات والخدمات الأساسية، في انسجام مع التوسّع السكاني وتزايد الطلب.
وفي كل هذه الديناميات، لم يغب البعد الإنساني عن رؤية علي خليل، حيث تم الحرص على إشراك المجتمع المدني، والتنسيق مع الجماعات الترابية والقطاعات الوزارية، لإرساء حوكمة حضرية تشاركية (gouvernance urbaine participative) تقوم على التشاور والتتبع المستمر.
اليوم، تقف الداخلة في موقع متميّز، لا فقط كمجال جذّاب للاستثمار والسياحة، بل كنموذج في التأهيل الحضري المتوازن، الذي يراعي الخصوصيات المجالية والبيئية، ويستجيب لحاجيات الساكنة الحالية والمستقبلية. إنها تجربة حضرية تُحسب لعلي خليل، الذي أعاد للمدينة نبضها، وحوّل الحلم إلى واقع محسوس.
وهكذا، لم تعد الداخلة مجرّد مدينة على هامش الخريطة، بل تحوّلت إلى ورش حيّ يعيد رسم ملامح الحاضر ويرتّب مداخل المستقبل. وبفضل رؤية منفتحة وإرادة حازمة جسدها الوالي علي خليل، باتت المدينة تكتب فصلًا جديدًا في سجل التحولات الحضرية بالمغرب. إنها ليست نهاية مشروع، بل بداية مسار واعد، عنوانه: من الحلم إلى التهيئة، ومن التهيئة إلى الأمل المتجدد في غدٍ أفضل.