اجتماع مُعطَّل وأسئلة مُحرِجة: بحّارة الداخلة بين انسداد المؤسسات وحق النقاش ؟

هيئة التحريرمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
اجتماع مُعطَّل وأسئلة مُحرِجة: بحّارة الداخلة بين انسداد المؤسسات وحق النقاش ؟

الساحل بريس / الصغير محمد

في الداخلة، حيث يتقاطع الصيد البحري بالعيش اليومي، ولا يُنظر إلى البحر باعتباره موردًا اقتصاديًا فحسب، بل كأفقٍ اجتماعي ومجالي يحدد إيقاع الحياة ومعنى الاستقرار، كان من المفترض أن ينعقد لقاءٌ مدنيٌّ عادي في شكله، عميق في دلالته. غير أن هذا الموعد تحوّل إلى واقعةٍ كاشفة لاختلالٍ أوسع في تدبير العلاقة بين الفاعلين البحريين والمؤسسات السياسية ، بعدما تعذّر، للمرة الثانية، عقد اجتماع لفعاليات المجتمع المدني البحري بالداخلة، وسط أعذارٍ متبدلة، وأبوابٍ موصدة، وغيابٍ لشرحٍ رسمي يبدّد الشكوك بدل أن يراكمها.

فبعد المحاولة الأولى التي أُجهضت بدعوى عطبٍ تقني بمقر غرفة الفلاحة، وهي حجة قد تُدرج ضمن أعطاب الإدارة وما يرافقها من اختلالات مألوفة، جاءت المحاولة الثانية بغرفة التجارة والصناعة والخدمات أكثر التباسًا وإثارة للتساؤل. فقد وُجه البحارة وممثلو جمعياتهم بإغلاق الأبواب في وجوههم، دون إشعار مسبق، ودون توضيح من الجهات المسؤولة، ما نقل الواقعة من خانة الطارئ التقني إلى دائرة المنع غير المعلن.

ويؤكد ممثلو البحارة، بلسانٍ واحد، أن اللقاء لم يكن ذا طابع انتخابي، ولا منصة لتصفية حسابات سياسية، بل كان اجتماعًا تداوليًا محضًا، هدفه تشخيص الأعطاب البنيوية التي يعاني منها القطاع البحري، وتبادل الرؤى حول سبل تجاوزها، إلى جانب تثمين مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والوحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء، وهي المبادرة التي حظيت بدعمٍ أممي متزايد، كان آخره خلال شهر أكتوبر الماضي ، الذي جعل من الحكم الذاتي الحل الوحيد والأوحد لمشكل الصحراء تحت السيادة المغربية .

غير أن منع اللقاء، أو تعطيله بهذه الكيفية، فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة عبّر عنها البحارة وممثلوهم بوضوح: لماذا يُمنع نقاشٌ اجتماعيٌّ صرف؟ ومن الجهة التي ارتأت، في صمت، أن هذا اللقاء لا يجب أن ينعقد؟ وهل أصبح الحديث عن مشاكل الصيد التقليدي، وقرى الصيد، والسكن، والماء، والكهرباء، والصحة، أمرًا يثير الريبة بدل أن يُشجَّع؟
فالمطالب التي كان يُراد تداولها لا تخرج عن صلب القضايا اليومية التي تؤرق البحارة. مشاكل في تعاطي الوزارة الوصية مع القطاع، اختلالات مزمنة في قرى الصيد، هشاشة في شروط السكن، غياب أو ضعف في التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء، نقص في المرافق الصحية، وصعوبات حقيقية في الولوج إلى الخدمات العلاجية. وهي قضايا لا يمكن تصنيفها خارج المجال الاجتماعي، ولا يجوز تحميلها أكثر مما تحتمل من تأويلات سياسية.

وفي سياق هذا المنع، عاد النقاش ليطال أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في الجهة، ويتعلق الأمر بالتعاونيات البحرية. وعلى لسان الفاعل الجمعوي أمبارك فوزي، طُرح السؤال بصيغة مباشرة: أين وصلت التعاونيات البحرية؟ وأين آل ملفٌّ راهنت عليه ساكنة الداخلة برمتها، وانتظرت أن يكون مدخلًا لتنظيم القطاع وحماية الصيد التقليدي وتحقيق قدر من العدالة المهنية؟

وفي ختام تصريحه للصحافة، لم يكتفِ فوزي بالتساؤل، بل قدّم تشخيصًا قاسيًا لواقعٍ يراه البحارة يوميًا، مفاده أن الصيد التقليدي يبدو وكأنه يُدفع، عن قصد أو عن إهمال، نحو التفكك والانتهاء، في ظل سياسات غير واضحة، وضعف في التأطير، وتراجع في الاعتراف بالدور الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة.
إن ما جرى في الداخلة يتجاوز حادثة إدارية معزولة، ليطرح سؤالًا أعمق حول حدود النقاش المسموح به، ومكانة المجتمع المدني في تدبير الشأن العام. فالإدارة القوية لا تخشى النقاش الاجتماعي، والمؤسسات الواثقة لا تُغلق أبوابها في وجه مواطنيها، خاصة حين يتعلق الأمر بفئة شكّلت، ولا تزال، إحدى ركائز الاقتصاد المحلي والاستقرار الاجتماعي بالجهة.

فالمنع لا يلغي الأسئلة، بل يؤجلها ويضاعف ثقلها. أما فتح فضاء الحوار، فهو وحده الكفيل بتحويل الاحتقان إلى نقاش منتج، والقلق إلى اقتراح، والغضب إلى شراكة مسؤولة في تدبير قطاعٍ لا يحتمل مزيدًا من الصمت.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة