حرق رؤوس الأضاحي.. عادة تتكرر كل عيد أضحى في الداخلة والساحل بريس تستجلي الأمر

هيئة التحرير29 يونيو 2023آخر تحديث : الخميس 29 يونيو 2023 - 1:51 مساءً
هيئة التحرير
أخبار الداخلة
حرق رؤوس الأضاحي.. عادة تتكرر كل عيد أضحى في الداخلة والساحل بريس تستجلي الأمر

إنّ الناظر من بعيد ، لربما يتساءل عن سرّ هؤلاء الشباب الذين خيّروا عدم الاجتماع مع عائلاتهم في هذا اليوم المشهود له بالنجاح في لمّ شمل أعتى الأسر تفكّكًا ، ولعلّ البعض يتساءل عن الدافع من وراء هذا العمل الذي لا نعرفه سوى يوم وحيد في السنة.

يجيب الطالب الجامعي أحمد عن سؤال “الساحل بريس” بقوله: “بحثت عن تدريب مهنيّ في مجال اختصاصي الجامعي منذ مدة فلم أجد ، قمتُ بجولة بين محلات الملابس للبحث عن وظيفة موسمية لكنّهم كانوا يطلبون الفتيات لا الفتيان .. وباعتبار أنّ الحصول على مصروف في هذا العطلة الصيفية أمر حيويّ ، كي لا أمدّ يدي لعائلتي، بدأتُ بالتفكير عمّا يمكن أن أقوم به برأس مال يقدّر بصفر من المليمات”.

يتابع أحمد وهو يقلّب بقفّازه رأس كبش أقرن غلب سواده بياضه: “مع اقتراب عيد الأضحى خطرت ببالي فكرة طريفة لجني المال، فأنا أسكن بحي النهضة ، وفي هذا الحيّ البعيد نسبيًا عن مركز المدينة ، قلّما يتمكّن الأهالي من حرق رؤوس أضاحيهم ، فيضطرون للتنقّل بالسيارة إلى أحياء أخرى كي يقوموا بهذه المهمة.. ولهذا اقترحتُ على أصدقائي وهم يسكنون حيًا آخر ، القدوم إلى النهضة ‘باش ندبّروا ريوسنا’ (كي يتدبّروا أمرهم)” وفق قوله.

الرأس هذا العام زاد الثمن ديالو ! تشهق إحدى النساء لدى سماعها هذه العبارة قبل أن تهتف: “لماذا زاد الثمن ديالو ؟ السنة الفارطة قمتُ بالأمر بـثمن مقبول نسبيا “، يجيبها احمد مبتسمًا: “حال البلاد يا حاجة، كل شيء عرفت أسعاره الغلاء ، ولن يرضيك طبعًا أن تبخسينا حقّنا ونحن المعرّضون إلى الشمس وحرّ هذا الحطب المشتعل” ، تقبل المرأة بالعرض على غير اقتناع كبير وتوصي بأن يجهز رأس خروفها وأرجله قبل الساعة الثانية.

يلقي أحمد رأس خروف أنهى عملية حرقه بمكان ممتلئ حطبًا ، يلقيه فيتلقّفه -بحرص وحذر- شريكه في الفكرة أيوب، وهو يرتدي بدوره قفّازًا ، يضع الرأس والقوائم الأربع للخروف على الأرض قبل أن يبدأ في عملية حرق الجلد بأداة تُربط بقارورة الغاز وتعرف باسم “الشاليمو”، وسرعان ما ينهي هذه العملية ليستلّ سكينًا ويشرع في كشط السواد المحيط ببعض المناطق، يقول أيوب لـ”الساحل بريس” إنّ التحضيرات لم تبدأ يوم عيد الأضحى كما يمكن للمرء أن يتصوّر، بل إنّها تبدأ قبل ذلك بعدّة أيام.

sahel

يتابع أيوب البالغ من العمر 21 عامًا: “قضّينا أكثر من 3 أيام نجمع كل ما تقع عليه أيدينا من الحطب ، فهو أساس هذه العملية التي نقوم بها ، شبابيك، أبواب، مكاتب قديمة، أغصان أشجار.. أي شيء مصنوع من الخشب ويكون ملقى في الشوارع والزقق نجمعه ونخزّنه في منزل واحد منّا، نحن محظوظون لأنّه لا منافسة كبيرة في هذا الحيّ على الحطب، أحياء أخرى قد تعرف عراكًا وشجارًا على بعض القطع من الأخشاب لكثرة من يقومون بهذه العملية في الحيّ الواحد”.

ويضيف أيوب لـ”الساحل بريس “: “نحن 5 أصحاب، سنقسّم المرابيح بيننا فيما بعد بالتساوي بعد طرح المصاريف، تقريبًا لا مصاريف تذكر غير قارورتي الغاز وكراء عربة “برويطة” لنقل الحطب ، ويوضّح أنّ إقرار ثمن للرأس مع الأرجل الأربع للخروف تمّ عن طريق جسّ النبض ، يقول: “أوّل ما تمركزنا في هذه النقطة من الحيّ جاءنا الزبون الأوّل وسألنا عن السعر ، كنت سأقول له ثمنا مثل السنة الماضية، لكن خرجت من فمي عبارة الثمن تزاد شوية ، فوافق ، ومن حينها طبّقنا هذه الزيادة” على حد تعبيره.

تتوافد الرؤوس بكثرة على هذه الثلّة من الشباب، فيبدؤون في التوجّس! الحطب لن يكفي لكلّ هذه الرؤوس والأرجل، لا بدّ من الحصول على المزيد ، يركب أحدهم درّاجة هوائية ويطير بحثًا عن مكان قريب لجلب الحطب، في الوقت الذي وقفت فيه سيارة فارهة لينزل منها شيخ وقور يعتمر عمامة ويرتدي جبّة رمادية.. يسأل عن السعر قبل أن يفتح الصندوق الخلفي للسيارة ويخرج منها كيسًا حوى 5 رؤوس وما رافقهم من الأرجل، يلاحظ نقص كميّة الحطب فيسألهم عمّا ينوون فعله ، ثمّ إنّه يطلب من اثنين أن يرافقاه مع ابنه الذي لم ينزل من السيارة.. كان يملك بعض الحطب في مرأب منزله القريب، وقرّر التبرّع به لهؤلاء الفتية.

يطلّ كهل آخر بعد وقت قصير ليقول بتردّد: “هل متأكدون يا شباب من تنظيفكم لهذا المكان بعد انتهاء عملكم؟” كان يسكن المنزل المجاور تمامًا ، يطمئنه الخماسيّ بأنّهم سيزيلون كلّ الآثار ولن يتركوا شيئًا، وهنا، يهتف رجل من أعلى السطح المقابل: “لا بأس، أنا وافقت لهم على التمركز في المكان، وسأوفّر لهم الماء ومواد التنظيف مساءً حتى يتمكنوا من تنظيف المكان جيّدًا”.

يغادر هؤلاء الفتية بعد أن أنهوا نصيبًا محترمًا من شواء الرؤوس وحرقها، وكنّا نسمع سؤالهم للزبائن بعد تسليمهم “الأمانة”: “فرحان بخدمتنا بابا؟ إن شاء الله نلتقي العام القادم في نفس المكان.. عيدك مبارك”. كانت هذه بعض حيثيات هذا العمل الموسمي الفريد من نوعه في الداخلة ، عمل ليوم واحد في السنة، يسعى فيه شباب الأحياء لـ”تدبير رؤوسهم” عبر رؤوس أكباش الحيّ!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة