بدأت
أجراس وطبول انتخابات 2021، تدق بقوة. ولم يعد لمعظم الساسة أدنى اهتمام
بمصائب وهواجس الزمن الكوروني. بعد أن فتحوا دكاكينهم السياسية، وأصبح
شغلهم الشاغل، التنافس من أجل استقطاب واستمالة الناخبين ، والبحث عن
تحالفات مستقبلية. بالرغم من أن المغرب ومعه باقي دول العالم، لازال تحت
رحمة فيروس كورونا. بمستقبل غامض يهدد البشرية.
وبما أن
هوس الانتخابات لن يفارق أدمعة زعمائنا البواسل (من البسالة بجزم الميم).
فإني ارتأيت أن أقدم لهم مقترح تنظيم (انتخابات رقمية عن بعد). ليس لأننا
نعيش حالة طوارئ صحية، لا نعرف متى تنتهي. ولكن لأن من حسنات الزمن
الكوروني، أننا بدأنا نستأنس ونعي بقوة وقيمة التواصل الرقمي عبر مواقع
التواصل الاجتماعية. بعد أن خضنا تجارب التعليم والتكوين عن بعد. وخضنا
ونخوض تجارب تقديم الخدمات الإدارية عن بعد.
فلماذا لا نخوض تجربة (الانتخابات عن بعد). ونعطي للعالم درسا جديدا، يضاف إلى دروسنا السابقة حول تدابير مواجهة جائحة كورونا؟.
تجربة
ستمكننا من تفادي اللقاءات المباشرة بين الناخبين والمرشحين والوسطاء
(الشناقة). تفادي كل أنواع التقارب والاحتكاك والتضييق والابتزاز
والارتشاء.
تخيلوا
معي حملة انتخابية رقمية. حيث يمكن للمرشح أن يحدث صفحات رسمية على (الفايس
والتوتير والانستغرام..)، ومجموعات على الواتساب. واستغلال الإعلام
المسموع والمرئي والمكتوب والالكتروني.. من أجل الإعلان عن ترشحه، والتسويق
لبرامجه وأهدافه.. سواء كانت تلك الانتخابات جماعية أو تشريعية.
حملة بدون
(زرقة ولا مرقة)، ولا وعود كاذبة لا أي تأثير نفسي أو تضييق على الناخبين.
بدون تبذير المال في طبع وتوزيع ملصقات ومطويات واللافتات..، تنهك كواهل
عمال النظافة وعمال الجماعات والإنعاش الوطني. وبدون تلطيخ جدران البنايات
العمومية والخاصة (مدارس، مرافق عمومية…)، بكتابات ورموز الأحزاب
السياسية. تبقى ملتصقة بها لعدة سنوات.
حملة لا
نستهلك فيها الوقود بالتجوال اليومي لقوافل السيارات والشاحنات، ولا نصرف
فيها أموال من أجل حشد كائنات بشرية وتجهيزها بالعتاد التسويقي (مكبرات
الصوت، أبواب، أوراق، أقمصة، طرابيش…)، واستغلالها في الدعاية والتجمعات
والخطابات والمسيرات.. ويمكن للحكومة أن تقلص من أموال تدبير الانتخابات
التي ترصد للأحزاب السياسية مع كل موعد انتخابي. واستغلالها في تجهيز الأسر
باللوحات الالكترونية (طابليت) والكهرباء. وتبادر إلى توسيع شبكات الاتصال
بكل المناطق المغربية. مبادرات ستساهم في الانفتاح الأسري. وتمكن الأطفال
والكبار من التواصل الرقمي، وكذا من أجل التعليم والتكوين. حملة
انتخابية
مريحة للأجهزة الأمنية والسلطات والقضاء، حيث لا شكايات ولا حروب عصابات
ولا تناحر بين المرشحين..ولا موائد ليلية تنتهي بالعنف والإجرام.
بإمكان
نمط الانتخابات عن بعد، أن يفتح للمغاربة آفاق جديدة مواكبة لما يجري ويدور
بمحيطهم الخارجي. وأن يقطع طرق ومسالك المجالس المنتخبة والبرلمان
والاستوزار، في وجه فئات كثيرة من الفاسدين ماليا وسياسيا. وأن يمكن أطر
وكوادر وكفاءات المغرب من التموقع والرقي ببلدهم.
فبقدر ما
نرى ونلمس في بلادنا، أن الساسة مصابين بداء (ادعاء المعرفة الكاملة).
يحشرون أنفسهم وألسنتهم ومناخيرهم في كل صغيرة وكبيرة عن علم أو جهل. لا
يكتفون بطرح الآراء والرِؤى بل يذهبون إلى حد التمسك بها وفرضها بالقوة..
بقدر ما نجدهم يتغافلون عن إيجاد قوانين ومساطر وطرق لتمكين المغرب من
انتخابات شفافة ونزيهة. متشبثون بانتخابات جماعية وتشريعية تقليدية، تخدم
مصالحهم وتؤمن الكراسي لهم ولذويهم. يبدعون في كل شيء. وعندما يتعلق الأمر
بإبداع نمط انتخابي جديد. فإنهم يعرجون بالسياسة إلى الدين. ويشهرون الحديث
النبوي الشريف ( .. كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
انتخابات
2021 على الأبواب. ولا ندري ما يختزن لنا الزمن الكوروني مستقبلا، ولا إن
كانت ستجرى في وقتها أم ستؤجل لموعد لاحق. لكن ما ندركه نحن المغاربة أن
مغرب كورونا، وبغض النظر عن صمودنا وتميزنا في مواجهة الفيروس طبيا
واجتماعيا واقتصاديا.. فإن مغرب ما بعد كورونا سيكون (مغربا جريحا)، في
حاجة إلى الإسعاف والإنعاش والانتعاش. كما سيكون في حاجة إلى كل الأحضان
المغربية الدافئة. فماذا أعدت تلك الأحزاب السياسية من برامج ومخططات
ودراسات، حتى يمكنها خوض انتخابات 2021. فالزمن الكوروني ماض في كساده
وتعطيله للحركة الاجتماعية والاقتصادية ببلادنا.
علما أن
هناك وراء الستارة، لجنة ملكية منكبة منذ عدة أشهر على إعداد نموذج تنموي
جديد. لتعويض النماذج الترقيعية التي أفرزتها الحكومات المتعاقبة على تدبير
شؤون البلاد. والمنبثة عن تحالفات مصلحية عشوائية. والتي أغرقت البلاد في
الديون والمشاريع الواهية. وعطلت التعليم والصحة وأفقرت الفقراء وأغنت
الأثرياء. فهل ستعتمد الأحزاب السياسية على النموذج التنموي المرتقب، والذي
اقتصرت مساهمتهم فيه بجلسات (مقاهي)، لممثليها مع شكيب بنموسى رئيس اللجنة
المكلفة بإعداد النموذج التنموي المرتقب. أم أنها ستخرج ببرامج انتخابية
خاصة بها. تزيد الوضع ارتباكا وسوءا.
بإمكان
اعتماد نمط انتخابي عن بعد أن يحقق للمغاربة اقتصادا كبير في المال والجهد،
ويضمن نزاهة وشفافية الانتخابات. وبفرز الكفاءات، ويعزز التواصل الرقمي.
ويرتقي بالأسر المغربية إلى منصة العوالم الرقمية. ونترك يوم التصويت، يوما
للتصويت عن قرب وبالمباشر. وربما قد نرتقي به كذلك في موعد انتخابي آخر..
يكون فيه المغربي ناخبا رقميا بامتياز.
فهل من
مبادر لاقتراح نمط (الانتخابات عن بعد)، والدفع بتحقيقه. أم أن التبريرات
الرافضة ستكون هي الفائزة. والتي تعتمد في الأساس بعض المحبطات مثل :
(هادشي ما داروه حتى الدول المتقدمة عاد نديروه حنا.. )… ألم نبادر
بطرقنا وأساليبنا المحلية ومواردنا البشرية، في مواجهة فيروس عات فسادا في
أوساط الدول المتقدمة؟. ألم نحدث التميز في صنع الكمامات وأجهزة التنفس
الصناعية ودواء الكلوركين داخل مصانع مغربية بأطر مغربية.. ألم نحدث التميز
في تجاوز الاكتفاء الذاتي إلى التصدير ودعم الدول الصديقة والشقيقة؟.
وحدها
العزائم هي من تفرز الاستثناء والتألق والتميز. وهي من تمكن الدول من
الارتقاء، كما وقع في الصين والهند واليابان.. وفي دول صغيرة كانت بالأمس
بؤرا للمجاعة والأمراض والأوبئة.