إعداد :عبد الواحد بلقصري
باحث بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل
تمثل التنمية المستدامة التنمية المتجددة والقابلة للاستمرار. والتي لا تتعارض مع البيئة ، كما أنها التي تضع مبدأ لانهائية للموارد الطبيعية. بالنظر لهذه التعريفات المذكورة، ومثلها الكثير، نجد أنها أقرب للشعارات وتفتقد للعمق العلمي والتحليلي، وبالتالي قد لا تعطي المعنى الوافي لمفهوم التنمية المستدامة الذي يحتوي على أبعاد ومعايير ومؤشرات قد لا تسعها التعاريف المذكورة أعلاه*1*
يبرز التعريف الشمولي للتنمية المستدامة في التنمية التي تفي باحتياجات الأجيال الحاضرة دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة على الوفاء باحتياجاتها الخاصة؛ كما أنها تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومتناغمة، تُعنَى بتحسين نوعية الحياة مع حماية النظام الحيوي؛ إضافة أنها تنمية اقتصادية واجتماعية مستمرة دون الإضرار بنوعية الموارد الطبيعية التي تستخدم في الأنشطة البشرية وتعتمد عليها التنمية؛
يعتبر التعريف الأول للتنمية المستدامة، والذي ورد ضمن تقرير “مستقبلنا المشترك، التعريف الأكثر شيوعاً، وأهم ما يُميز هذا التعريف عن غيره من التعريفات التي وردت في أدبيات التنمية المستدامة هو احتواؤه على مفهومين أساسيين، وهما مفهوم الحاجات، خاصة مفهوم الحاجات الأساسية للفقراء والتي يجب أن تعطى الأولوية المطلقة، ثم ثانياً فكرة القيود التي تفرضها حالة التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي على قدرة البيئة للاستجابة لحاجات الحاضر والمستقبل؛*2*.
ولكن يلاحظ بأنه وعلى الرغم من أن تلبية الحاجات والطموحات الأساسيةِ للبشرية هي الهدف الأساسي لنماذج التنمية المختلفة، إلا أنه لم تجر إلى الآن تلبية الحاجات الأساسية للأعداد المتزايدة من البشرية في البلدان الموصوفة بالنامية من الحاجات الأساسية والضرورية؛
وبالنظر لهذا التعريف المذكور ضمن تقرير “مستقبلنا المشترك” نرى بأن التنمية المستدامة تقضي بتلبية الحاجات الأساسية للجميع، وأيضاً بضرورة توسيع الفرصة أمام الجميع في سبيل إرضاء طموحاتهم إلى حياة مستقبلية أفضل؛.
كما عرف المبدأ الثالث الذي تقرر في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية الذي انعقد في ريو دي جانيرو سنة 1992م التنمية المستدامة بأنها “ضرورة إنجاز الحق في التنمية” بحيث يتحقق على نحو متساو الحاجات التنموية والبيئية لأجيال الحاضر والمستقبل؛
كما أشار المبدأ الرابع الذي أقره المؤتمر إلى أنه لكي تتحقق التنمية المستدامة ينبغي أن تمثل الحماية البيئية جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التفكير بمعزل عنها”. وهذان المبدآن اللذان تقررا باعتبارهما جزءا من جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الحادي والعشرين، ينطويان على بعض الدلالات الدقيقة بالنسبة لاستخدام وإدارة الموارد الطبيعية والنظام الإيكولوجي والبيئة؛*3*
وفي محاولة للربط ما بين البيئة والتنمية الاقتصادية، نجد أن التنميةّ المستدامة قد تم تعريفها على أنها محاولة للحد من التعارض الذي يؤدي إلى تدهور البيئة وذلك عن طريق إيجاد وسيلة لإحداث تكامل ما بين البيئة والتنمية الاقتصادية، وبأنها تمثل توافقاً ما بين احتياجات الجيل الحالي وتحسين نوعية حياته في حدود الطاقة الاستيعابية للبيئة ووظائفها وكذلك احتياجات الأجيال المقبلة؛
بالإضافة للتعريفات القليلة المذكورة أعلاه لمفهوم التنمية المستدامة، نجد أن هنالك العشرات من التعريفات الأخرى المتوفرة لهذا المفهوم، والتي لا يتسع مجال هذا البحث لذكرها، وفي هذا الصدد، فقد أورد المؤلف جون بيزي؛ John Pezzy أكثر من أربعين تعريفاً لمفهوم التنمية المستدامة.
كما تعددت المصطلحات التي تعبر عن مفهوم التنمية المستدامة، فالبعض يعبر عنها بالتنمية المتواصلة، ويطلق عليها البعض الآخر التنمية الموصولة، ويسميها آخرون التنمية القابلة للإدامة، أو التنويشكل الإنسان محور التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة حيث تتضمن تنمية بشرية تؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي، وهناك اعتراف اليوم بهذه التنمية البشرية على اعتبار أنها حاسمة بالنسبة للتنمية الاقتصادية، وبالنسبة للتثبيت المبكر للسكانمية القابلة للاستمرار؛*4*
يحتل مفهوم التنمية المستدامة موقعا هاما ضمن آليات اشتغال الدرس السوسيولوجي اليوم، بحيث تلتقي نظريات سوسيولوجيا التنمية المستدامة عند مجموعة معينة من الغايات مثلما انطلقت من مجموعة من المسلمات، وفي سياق تناولنا لهذه الغايات سوف نحاول حصرها في مستويين أساسيين يمثلان معا محور التفكير السوسيولوجي ووجهته، وتصب فيهما أو تبرز من خلالهما الأبعاد النظرية الأخرى، وهما السوسيولوجيا البيئية وسوسيولوجيا التنمية . وبخصوص هذا المفهوم الذي وسم مجموعة من السوسيولوجيون بالمفهوم الغامض، نعثر على اطروحات متنوعة للتنمية المستدامة، وبناء على هذا الغنى يمكننا ايجاز فهم سوسيولوجي للتنمية المستدامة في نقطة أنه يجمع بين أبعاد التنمية المستدامة إلى جانب البعد الأخلاقي (المسؤولية الاجتماعية) في بوتقة التحكيمات والتفضيلات التي تتم أثناء صراع متغيرات التكنولوجيا والنظام الاقتصادي والسياسة والتفكير والسلوك، مما يعني أن المفهوم السوسيولوجي للتنمية المستدامة هو في الأصل نسق لتنظيم التفاعلات الواعية والمستمرة بين الاعتبارات الاجتماعية والأساليب التكنولوجية والبيئية والثقافية، التي تعد من المتطلبات الأساسية للتنمية التي تبقي القاعدة البيئية في حالة توازن مستدام؛
لائحة المراجع والهوامش :
– 1Bruno Boidin, Développement humain, développement durable et «pays en développement » : comment articuler et mesurer les différentes Manuel de sociologie de l’environnement, july 2012, p 117-118
2- Raymond-Alain Thietart, La planification (chapitre 1), dans, Le
management, 2017, p 25.
3- مدحت أبو النصر، ياسمين مدحت محمد، التنمية المستدامة، المجموعة العربية للتدريب والنشر، القاهرة، مصر، 2017، ص
4-Bruno Boidin, Développement humain, développement durable et «pays en développement » : comment articuler et mesurer les différentes dimensions ?, in, Revue Développement Durable et Territoires, Dossier 3, 2004, (en ligne).