في ضيافة الساحل بريس
إعداد وتقديم: الصغير محمد
يسرنا أن نلتقي بكم من جديد ضمن نافذتنا الحوارية “في ضيافة الساحل بريس”، التي نُقرب من خلالها الرأي العام من صُنّاع القرار والخبراء في الميدان، ونفتح الملفات الكبرى بجرأة ومسؤولية.
حلقة اليوم نخصصها لقطاع يُعد شريان الحياة الاقتصادية والاجتماعية بجهة الداخلة – وادي الذهب، وهو قطاع الصيد البحري، الذي يعيش لحظة دقيقة ومفصلية، بعد تسجيل تراجع مقلق في مصطادات الأخطبوط خلال موسم صيف 2025، بالتزامن مع قرارات جديدة تتعلق بمصيدة السيبيا أثارت الكثير من النقاش.
ضيفنا اليوم هو الأستاذ عبد الرحيم كجيج، مدير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بالداخلة، الذي فتح معنا هذا الملف من زاويته العلمية والميدانية، وقدم توضيحات مهمة حول واقع المصايد وآفاقها المستقبلية.
الصغير محمد:
بداية، كيف تفسرون التراجع الكبير الذي عرفته مصطادات الأخطبوط خلال هذا الموسم الصيفي؟ وهل لديكم معطيات دقيقة حول ذلك؟
عبد الرحيم كجيج:
فعلاً، ما يشهده موسم صيف 2025 من تراجع في مصطادات الأخطبوط ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تداخل عدة عوامل بيئية وبشرية.
من الناحية البيئية، سجلنا خلال الأشهر الماضية تغيرات في درجات حرارة المياه، وهي عنصر حاسم يؤثر على الهجرة، الإباضة، وحتى توزيع الأخطبوط. هذه التغيرات قد تؤدي إلى تحرك هذا النوع إلى أعماق أبعد أو إلى مناطق أخرى بحثاً عن ظروف أكثر ملاءمة.
أما من الناحية البشرية، فهناك ضغط متزايد على المصيدة، سواء من خلال الصيد القانوني أو من خلال نشاطات غير قانونية تخرق فترات الراحة البيولوجية. ناهيك عن استعمال وسائل غير مرخصة مثل المطاطات الهوائية، التي أصبحت ظاهرة مقلقة، وتساهم في استنزاف الأخطبوط خارج الضوابط التنظيمية. كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تدهور حالة المخزون خلال هذا الموسم.
الصغير محمد:
هل لديكم معطيات ميدانية حول ظاهرة صيد صغار الأخطبوط؟ وما مدى خطورتها على استدامة المصيدة؟
عبد الرحيم كجيج:
نعم، هذه الظاهرة تؤرقنا بالفعل. خلال عمليات التقييم التي أنجزها المعهد مؤخراً، لاحظنا وجود نسب مرتفعة من صغار الأخطبوط في العديد من المناطق، خصوصاً في الامتداد البحري بين الداخلة وواد سنترا، وكذا في المنطقة الواقعة بين واد سنترا والرأس الأبيض.
نحن نتحدث هنا عن نسب تصل إلى 41% و61% من الكتلة الحيوية على التوالي، وهي أرقام مقلقة لأنها تعني أن جزءاً كبيراً من المخزون الحالي لم يصل بعد إلى الحجم التجاري.
وبدل أن تُمنح هذه الصغار فرصة للنمو والتكاثر، نجد أن البعض يستهدفها دون وعي أو حرص على مستقبل المصيدة. هذه الممارسات، للأسف، تقضي على فرص التجدد الطبيعي، وقد تهدد التوازن البيولوجي للمخزون في المواسم المقبلة. لهذا فإننا ندعو، بإلحاح، إلى احترام الراحة البيولوجية، وتفادي الصيد الجائر، خاصة في الفترات الحساسة.
الصغير محمد:
هل يمكن القول إن نشاط الصيد في أعالي البحار يُساهم في تدهور مصيدة الأخطبوط الساحلية؟
عبد الرحيم كجيج:
الصيد في أعالي البحار جزء من المنظومة الوطنية للصيد، ويخضع لتدبير محكم في إطار مخططات التهيئة، التي يحرص المعهد على إعدادها وتحيينها بشكل دوري.
لكل نمط من الصيد، سواء التقليدي أو الساحلي أو أعالي البحار، حصة محددة (كوطا) يتم تحديدها بناء على تقييم علمي شامل لحالة المخزون. نحن لا نشتغل بشكل اعتباطي، بل وفق معايير علمية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الاستغلال والتجديد.
قد يكون نشاط الأعالي أكثر كثافة، لكنه يُضبط عن طريق آليات للتتبع والتصريح، مع مراقبة صارمة للالتزام بالقوانين. لا بد من الإشارة إلى أن التحدي الحقيقي لا يقتصر على نمط معين من الصيد، بل في مدى احترام الجميع للضوابط البيولوجية والبيئية، لضمان استدامة هذا المورد الحيوي.
الصغير محمد:
مؤخراً سمحت الوزارة بفتح مصيدة السيبيا، وهو قرار أثار نقاشاً واسعاً. ما خلفيات هذا القرار؟
عبد الرحيم كجيج:
القرار لم يكن مفاجئاً أو سياسياً كما يعتقد البعض، بل جاء نتيجة تحليل علمي وميداني دقيق. السيبيا خضعت خلال الموسم السابق لإجراء وقائي تمثل في التوقف المؤقت عن استغلالها، وقد كان لهذا التوقف أثر إيجابي واضح.
لاحظنا تحسناً في الكتلة الحيوية لهذا الصنف، خاصة في المناطق الجنوبية. المعطيات التي جمعناها أكدت أن الوضع البيولوجي للسيبيا يسمح بإعادة استغلالها بشكل منظم، وهو ما شجع الوزارة على إصدار قرار الفتح، مع الحرص على وضع شروط صارمة تنظم عملية الصيد وتراعي التوازن البيئي.
الصغير محمد:
هل أجريتم دراسات ميدانية قبل فتح المصيدة؟ وكيف تقيمون الوضع البيولوجي للسيبيا؟
عبد الرحيم كجيج:
نعم، أجرينا عدة رحلات استطلاعية خلال الأشهر الماضية، شملت مناطق متعددة على طول الساحل، واشتغلنا على تحليل العينات ومراقبة تطور الكتلة الحيوية.
النتائج كانت مشجعة للغاية. المؤشرات البيولوجية أكدت أن السيبيا في حالة جيدة، مع تزايد ملحوظ في وفرتها مقارنة بالمواسم السابقة. هذا التحسن لم يكن ليتحقق لولا الإجراءات الاحترازية السابقة، وهو ما يعزز أهمية التوقفات المؤقتة في بعض الأحيان، كوسيلة فعالة لحماية الأصناف البحرية.
قرار فتح المصيدة كان بالتالي قراراً علمياً ومدروساً، يهدف إلى تحقيق توازن بين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على الموارد.
الصغير محمد:
هناك مطالب بتخصيص مصيدة الأخطبوط للصيد التقليدي فقط. ما موقفكم من هذا المقترح؟
عبد الرحيم كجيج:
القضية ليست في استثناء نمط معين من الصيد، بل في مدى احترام كل الفاعلين للضوابط التي تضعها الدولة. الصيد التقليدي بالفعل له دور اجتماعي مهم، ويُشغل آلاف الأسر، لكنه أيضاً يتحمل مسؤولية الحفاظ على الثروة.
ما نؤمن به في المعهد هو أن الاستدامة لا تُبنى على الإقصاء، بل على الالتزام الجماعي. سواء تعلق الأمر بالصيد التقليدي أو غيره، يبقى احترام فترات الراحة البيولوجية، والامتثال لقواعد التصريح، ومحاربة الصيد العشوائي، هي الأسس التي تضمن حماية المصيدة ومصالح الجميع.
الصغير محمد:
كلمة أخيرة توجهونها للمهنيين والفاعلين في القطاع؟
عبد الرحيم كجيج:
رسالتي واضحة: الثروة السمكية ليست فقط مورد رزق، بل رصيد استراتيجي للوطن. المحافظة عليها مسؤولية جماعية، تتقاسمها الدولة، الباحثون، والمهنيون.
ما تحقق في السنوات الماضية، مثل تجربة 2022 ونجاح التوقف المؤقت لمصيدة السيبيا، يؤكد أن القرارات المبنية على العلم والتعاون تؤتي ثمارها. أدعو الجميع إلى الانخراط الواعي والمسؤول في جهود الحفاظ على هذا المورد الحيوي، لأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ولأن مستقبل القطاع رهين بما نقرره اليوم.