✍️ الصغير محمد – جريدة الساحل بريس
مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، تتصاعد دينامية سياسية غير مسبوقة داخل جهة الداخلة – وادي الذهب، حيث أصبح المواطن أكثر إدراكاً لموقعه داخل المعادلة السياسية، وأكثر جرأة في مساءلة من انتخبهم بالأمس، حول ما تحقق فعلاً لا ما قيل شفاهةً.
لقد تغير منسوب الوعي لدى المواطن المحلي، فلم تعد العلاقة بين الناخب والمنتخب تُبنى على منطق “شحال عاطي”، بل باتت ترتكز اليوم على سؤال مركزي: ماذا قدم البرلماني خلال ولايته؟ وهذا التحول في المفهوم، هو ما يشكل جوهر المعركة السياسية المقبلة، ويضع الطبقة التمثيلية أمام امتحان حقيقي للمساءلة الشعبية، وليس فقط أمام صناديق الاقتراع.
البرلماني… سلطة تشريعية لا وعود انتخابية فقط
في الوعي الجمعي للمغاربة، لا تزال أدوار البرلماني تختلط لدى البعض بأدوار أعضاء الجماعات أو المجالس الجهوية، وهو التباس تساهم فيه خطابات عدد من البرلمانيين أنفسهم، حين يقدمون أنفسهم كـ”صانعي خدمات اجتماعية” عوض نواب عن الأمة في مؤسسة تشريعية ذات صلاحيات رقابية وتشريعية واضحة.
لكن في ظل تحولات دستورية ومجتمعية متسارعة، بات ضرورياً أن يعي البرلمانيون بأن الرهان الانتخابي اليوم لم يعد رهانا على الأعيان أو الولاءات التقليدية، بل على القدرة على الإقناع من خلال الحصيلة. أي: ما الذي دافع عنه البرلماني داخل المؤسسة التشريعية؟ ما الذي اقترحه من قوانين أو تدخلات؟ وهل فعلاً كان صوتاً لمن انتخبوه أم مجرد غياب بصيغة الحضور؟
الداخلة تسائل ممثليها… الصيد البحري نموذجاً
في جهة تعيش على نبض البحر، وتُعد الثروة السمكية شريانها الاقتصادي الأول، يبرز سؤال كبير حول علاقة البرلمانيين المحليين بقضايا البحر:
أين هم من القوارب المعيشية؟ من تنظيم القطاع؟ من مطالب البحارة الصغار؟
بل أكثر من ذلك، ما هو تأثيرهم الحقيقي على السياسات الوطنية المتعلقة بالقطاع، وهل استطاعوا إيصال صوت الساكنة البحرية للمركز؟
ولا يتوقف الأمر عند قطاع الصيد، بل يمتد إلى ملفات استراتيجية كالتعليم، والصحة، والسكن، والتشغيل، والقدرة الشرائية، ودعم الفئات الهشة… وهي قضايا يومية، آنية، وملموسة، تُعد المحكَّ الفعلي لأي مسؤول يُفترض أنه يمارس دوراً تشريعياً ورقابياً.
حين يتحول المواطن إلى محاسب
التحول الكبير الذي يجب على المرشحين فهمه هو أن الناخب لم يعد فقط ذلك الشخص الذي يُستمال خلال الحملة الانتخابية بوعود، وابتسامات، وولائم، بل أصبح يحمل ذاكرة سياسية نشطة، ومطالب واضحة، وقدرة على المحاسبة العلنية من خلال وسائل التواصل، والاحتجاج، بل وحتى العزوف الواعي.
لقد أضحت فئة كبيرة من المواطنين ترى في التصويت مسؤولية أخلاقية وسياسية، ولا تمنحه إلا لمن ترى فيه مشروعاً سياسياً حقيقياً، لا مجرد طموح فردي أو ارتباط قبلي أو مصلحي. من هنا، فإن ما يُنتظر من المرشح البرلماني المقبل، ليس فقط حملته الانتخابية، بل مشروعه التشريعي، تصوراته للقضايا الاجتماعية، وموقفه من العدالة المجالية.
بين تكليف وتشريف… التحدي الأكبر
ليس من المبالغة القول إن منصب البرلماني هو أحد أكبر الاختبارات التي تعكس مدى نضج الديمقراطية في بلد ما. فالمنصب لا يجب أن يُنظر إليه كـ”تشريف سياسي” بل هو تكليف تشريعي بثمن سياسي باهظ إن لم يتم الوفاء بمقتضياته.
في الداخلة، كما في باقي جهات المملكة، المواطن بات اليوم ينتظر خطابًا جديدًا:
خطابًا يستند إلى الحصيلة لا إلى الإنشاء.
خطابًا يواجه الأسئلة الصعبة لا يراوغها.
خطابًا يؤمن بأن المقعد في البرلمان ليس غاية، بل وسيلة لتغيير واقع جهة تتطلع للعدالة والكرامة والفرص المتكافئة.
في انتخابات 2026، لن يكون التحدي في الفوز بالمقاعد، بل في استعادة ثقة المواطن، وتثبيت موقع البرلماني كممثل حقيقي عن الشعب، لا كوسيط مصالح ظرفي. والمواطن اليوم – في الداخلة وغيرها – أصبح يدرك أن التغيير لا يأتي من “كم عاطي”، بل من “شنو قدمتي”… وهنا بيت القصيد.